(1)
مصطلح اليسار الجزافي أطلق على سواقط ومرافيد الحزب الشيوعي السوداني وهي مجموعات منقطعة السند الفكري والعمق الجماهيري مما زهدها في نهج العمل السياسي الديمقراطي الصبور والملتحم بحركة المجتمع واتبعوا تكتيكات حرق المراحل لإنجاز مشروعهم الانتهازي، منها اختراق الأحزاب الاتحادية(مجموعة عوض عبد الرازق)، وفئة اختارت القفز على السلطة عبر الانقلابات العسكرية مجموعة المرحوم أحمد سليمان،ومعاوية سورج ومجموعة ارتأت الزحف الثوري الشامل من الريف بالطريقة الماوية، مجموعة المرحوم عبد المجيد كمرات.
(2)
اما مجموعة اليسار الجزافي والتي يتصدرها ياسر عرمان فقد أبعدت النجعة في التطرف حيث رأت أن الدولة السودانية بكل قطاعاتها المجتمعية (الطرق الصوفية، الإدارات الأهلية، الاحزاب السياسية اليمينية والمؤسسة العسكرية الوطنية) موغلة في الرجعية وتشكل عقبة استراتيجية امام ما يسمى بالثورة الوطنية الديمقراطية (المفترى عليها) ولذلك يجب أضعاف هذه القطاعات المجتمعية وتدميرها على المدى الاستراتيجي وتشييد ما يسمى في مخيلتهم السقيمة دولة السودان الجديد العلمانية وهي في جوهرها دولة استبدادية عنصرية بأزياء تنكرية للديمقراطية .
ثم انسحبت هذه المجموعة الجزافية من ميادين التدافع الفكري والسياسي،في مظانه الحزبية والطلابية ولجأت الى تكتيكات منها التحالف مع الغابة المسلحة بقيادة الدكتور قرنق ، وللأسف لم تتماهى هذه الجماعة مع البنية التحتية لمجتمع الجنوب وحفزه للوحدة والاندماج مع المجتمع السودانية وفق رؤية السودان الجديد الطوباوية بل تحلقوا فوقيا حتى وصفوا ب (أولاد جون قرنق)، ثم لجأت هذه الجماعة الجزافية الى تكتيك تأجيج الصراعات الهوياتية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والشرق لشد الأطراف والزحف لهدم الدولة المركزية عبر سيناريو الفوضى الخلاقة ، ثم طفقت هذه المجموعة الى تحريض المجتمع الإقليمي والدولى لمحاصرة السودان دبلوماسيا واقتصاديا وسياسيا، وبث البرباغندا الإعلامية الكذوبة والزعم بممارسة العنصرية والرق في السودان، وتأليب المحاور الإقليمية والدولية للتدخل عسكريا وإسقاط وهدم الدولة المركزية .
(3)
وكلما تم توقيع معاهدة سلام لانهاء طاقات الحرب السالبة وتحويلها إلى طاقات سياسية وثقافية بناءة تصب في تعزيز قضايا البناء الوطني والديمقراطي انكشف السقم والخواء الفكري والسياسي وانبتات هذه المجموعة الجزافية عن المجتمع، وبدلا من الصبر والمكابدة في العمل السياسي والفكري وتأسيس جماعة سياسية مدنية تساهم في ترسيخ الديمقراطية المستدامة، وتعميق الاندماج القومي والهوية السودانوية، تنزع هذه الجماعة الجزافية والتي تتعاطى السياسة بذهنية الصراع والكسل الفكري الى صناعة جماعة مسلحة جديدة، فالعقلية الجزافية لا تملك بصارة الرؤية، والحكمة والتسامح السياسي.
(4)
لقد أثبتت التجربة ان التحالف بين مجموعة اليسار الجزافي وفي طليعتهم ياسر عرمان وحركات الهامش المسلح هو تحالف البرجوازية الصغيرة الطامحة في السلطة على الشيوع. وثمرته المرة تلاشي مشروع السودان الجديد بالانفصال، وفشل تحقق هذا المشروع في دولة جنوب السودان والتي تحولت إلى دولة عنصرية استبدادية فاشلة انكمشت في مثلث الدينكا، واختزلت القيادة في شخصية سلفاكير ميارديت. واستمرت حالة ادمان الفشل لجماعة اليسار الجزافي البائسة في ما يعرف بالجنوب الجديد (جنوب النيل الأزرق، وجبال النوبة) حيث انشقت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال تحت قعقعة السلاح والدم إلى فصيلي مالك عقار، وعبد العزيز الحلو وفشل الفصيلان في تحويل مناطق سيطرتهما العسكرية والسياسية إلى واحات جاذبة للحرية والديمقراطية والتنمية والوعي والتعليم والاندماج القومي والهوياتي كنواة صلبة لتعميم هذا المشروع التهويمي في كل السودان، وأيضا فشل الفصيلان في بناء أحزاب سياسية مدنية ذات برامج هادفة وجاذبة لكل قطاعات المجتمع السوداني تصب في صيانة مشروع الوحدة والسلام، وإنجاز مهام التحول الديمقراطي المستدام.
(5)
هكذا كانت المحصلة النهائية لعقلية مجموعة اليسار الجزافي دائرية وعدمية ومتعازلة عن هموم المجتمع وعلى تضاد مع قيم الثورة العميقة، وصناعة التحول الديمقراطي المستدام فهي في حالة من التيه الدائري بين الغابة المسلحة أو في كهوف الجبال، أو في مغانم ومحاصصات السلطة المركزية بين القصر الجمهوري والبرلمان، والمناصب الوزارية والاستشارية فبئست صفقة البادي.