الرواية الأولى

نروي لتعرف

أخبار الطاقة الكتلة الحرجة / ود البلد

الوضع الإنساني في السودان .. كيف صنعت مليشيا الدعم السريع الكارثة؟

يعيش السودان واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، حيث يواجه أكثر من نصف السكان أوضاعاً تهدد الحياة، في ظل استخدام الغذاء والخدمات الأساسية كسلاح للحرب.
ورغم كثافة التقارير الدولية عن “الأزمة الغذائية”، فإن جوهر المشكلة لا يرتبط بالعوامل الطبيعية أو الاقتصادية، بل باستراتيجية الحصار التي تنتهجها مليشيا الدعم السريع بدعم خارجي مباشر، وفي مقدّمته الدعم الإماراتي.

مليشيا الدعم السريع: الحصار كسلاح سياسي:

تشير الوقائع الميدانية وتقارير المنظمات الدولية إلى أن مليشيا الدعم السريع اعتمدت منهجية ممنهجة تقوم على الآتي:
•تطويق المدن الكبرى ومنع دخول الإغاثة.
•السيطرة على طرق التجارة والمخازن الاستراتيجية.
•مهاجمة قوافل الإمداد ونهب مخزون المساعدات.
•تعطيل المستشفيات والمرافق الحيوية.
في الفاشر مثلاً، فُرض حصار كامل أدى إلى ظروف المرحلة الخامسة Phase 5، وهو أعلى مستوى من الكارثة الإنسانية وفق التصنيف الأممي، حيث يعتمد المدنيون على أوراق الأشجار ومياه شرب غير آمنة للبقاء.
كما أدّت الهجمات على عمال الإغاثة ونهب المستودعات إلى تراكم أكثر من ١٠٠ ألف طن من المواد الغذائية داخل تشاد دون قدرة على إيصالها إلى المناطق الأكثر تضرراً.
هذه الممارسات ليست نتاج فوضى أو صراع عشوائي، بل جزء من مشروع سياسي يستهدف خنق المجتمع وإضعاف الدولة لفرض المليشيا كبديل عن المؤسسات الوطنية الشرعية.

إطار نظري: كيف تفسر “الأنظمة المعقّدة” ما يحدث في السودان؟

وفق نظرية الأنظمة المعقدة Systems Theory، تُشبَّه الدولة الحديثة بشبكة شديدة الترابط تشمل عدة عناصر (طرقات – إغاثة – كهرباء – مياه – أسواق – حركة بشرية – مؤسسات أمنية – إدارة محلية).
تعمل هذه المنظومة كوحدة واحدة، وتنهار كوحدة واحدة أيضًا.
ومن منظور هذه النظرية أي صدمة كبيرة (مثل حصار مدينة أو قطع طريق تجاري رئيسي) تؤدي إلى ارتداد متسلسل لبقية عناصر المنظومة، فيتحول الخلل المحلي إلى انهيار واسع في الدولة كلها.
وبالتالي، ما تفعله مليشيا الدعم السريع بدعم خارجي ليس مجرد تعطيل مؤقت، بل ضغط منهجي على نقاط العقد في المنظومة الوطنية السودانية (المعابر – سلاسل الإمداد – الخدمات – المدن ذات الكثافة السكانية العالية).
ومع استمرار الضغط، يدخل النظام الوطني في ما يسمّيه علماء المعقّدات
State Collapse Cascade
أي “تسلسل الانهيار للدولة”، حيث تتعطل الخدمات، ينهار الأمن، تتوقف الأسواق، ينفجر النزوح، ثم تنهار القدرة المؤسسية للدولة نفسها.
هذا التحليل يفسر لماذا يعيش السودان اليوم أزمة تتجاوز مفهوم “نقص الغذاء”، إلى صراع يهدد وحدة الدولة والمجتمع معاً.

تأثير شبكة الدعم الخارجي للمليشيا:

لا يمكن فهم قدرة مليشيا الدعم السريع على تنفيذ هذا النوع من الضغوط النظامية دون الإشارة للدور الإماراتي، الذي يمثّل العنصر الخارجي الأكثر تأثيراً في مسار الحرب.
وفق تقارير استخبارية وبيانات أممية، يظهر الدعم الإماراتي في صور متعددة، أبرزها الأتى:

•تمويل وتسليح مباشر يمكّن المليشيا من الاستمرار في العمليات.
•مراكز إمداد لوجستية عبر الحدود السودانية الغربية و الشمالية الغربية.
•نقل أسلحة تحت غطاء “مساعدات إنسانية”.
•دعم سياسي لفرض المليشيا كلاعب شرعي في المشهد الدولي.
ويطرح ذلك سؤالاً محورياً، هل يتحقق الهدف الاستراتيجي للإمارات من تمكين قوة مسلحة خارج إطار الدولة السودانية؟
هذا النوع من التدخل يستهدف دفع الدولة الوطنية السودانية نحو “سقوط منظومي” قد يمتد أثره إلى الإقليم كله.

القوات المسلحة: حائط الصد الأخير لوحدة السودان:

وسط كل هذا الاضطراب، تظل القوات المسلحة المؤسسة الوطنية الحادبة على الأتى:

•استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية بالدولة.
•تأمين ممرات تسمح بوصول الإغاثة.
•التنسيق مع المجتمعات المحلية لحماية المدنيين.
•منع التفتت الجغرافي والانقسام المجتمعى.
وتُظهر بيانات برنامج الغذاء العالمي أن المناطق الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة تتمتع بوصول أفضل للمساعدات، مقارنةً بالمناطق التي تسيطر عليها المليشيا والتي تسجل أعلى معدلات الكارثة الإنسانية.
وبمنطق الأنظمة المعقدة، أي انهيار للقوات المسلحة يؤدي إلى “انهيار كامل للنظام الوطني”، يجر معه وحدة الأرض والشعب، ويفتح المجال لانقسامات جهوية محلية ومليشيات متنافسة ونفوذ خارجي بلا حد.

الطريق إلى الأمام: مقاربة سياسية واقعية:

يتطلب إنهاء الكارثة الإنسانية في السودان معالجة جذور الانهيار لا أعراضه.
الحل المقترح يقوم على ثلاثة عناصر رئيسية:

•وقف الدعم الخارجي للمليشيا، وفي مقدّمته الدعم الإماراتي.
•استعادة الدولة لسيادتها على المعابر والممرات الحيوية.
•دعم القوات المسلحة في عملياتها لاستعادة المدن المحاصرة وحماية وحدة البلاد.
فالسودان اليوم لا يواجه أزمة غذاء، بل يواجه هجمة منظومية تستهدف الدولة من الداخل عبر المليشيا ومن الخارج عبر الداعمين الإقليميين.
ولا يمكن مواجهة هذا المسار إلا عبر دعم المؤسسة الوطنية الوحيدة القادرة على حماية وحدة السودان.

اترك رد

error: Content is protected !!