الرواية الأولى

نروي لتعرف

created by photogrid
آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

الهيئات الثلاث.. هندسة الدولة الرقمية

د. محمد عبدالرحيم يسن



تأسيس ثلاث هيئات وطنية تعنى بالتحول الرقمي، والأمن السيبراني، وحوكمة البيانات، تعني أننا أمام نقلة في طريقة التفكير تجاه التكنولوجيا والإدارة العامة.
مما يعني ان التحول الرقمي لم يعد مشروعا تقنيا أو نشاطا وزاريا محدودا، بل أصبح إطارا لإعادة بناء الدولة نفسها على أسس الكفاءة والشفافية والسيادة المعلوماتية.
القرار يعيد رسم خارطة المؤسسات، ويؤسس لتوزيع الأدوار بين الهيئات الثلاث، بهدف إزالة مظان التداخل والتجريب التي ترافق العمل الرقمي عموما.
يمكن القول إن ما جرى يمثل تطورا طبيعيا في حياة المؤسسات، إذ تم تغيير اسم المركز القومي للمعلومات إلى هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي السودانية، وتحولت السلطة القومية للمصادقة الإلكترونية إلى جزء من هيئة الأمن السيبراني.
وهذا التطور في حد ذاته ليس مدعاة للقلق، بل هو انعكاس لمرحلة جديدة تتطلب تحديث البنية المؤسسية بما يتوافق مع روح العصر، ليس من الحكمة التمسك بالأسماء دون الجوهر. فالقيمة الحقيقية للمؤسسات ليست في لافتاتها، بل في ما تقدمه من أثر وجودة واستدامة.
ورغم أن بعض الأصوات ترى أن ما حدث كان استهدافا للمؤسسة العريقة – المركز القومي للمعلومات – خصوصا أن على رأس لجان التغيير من كانوا يرون أن قانون المركز “دبر بليل”، فإن المفارقة أن ما حدث الآن قد يرى أيضا “تدبيرا بليل” بمعيار مواز.

على العموم، نأمل ألا يكون الأمر كذلك. فالوزير الحالي المهندس أحمد درديري غندور لم يكن صاحب علاقة بماضي هذه المؤسسات، وربما يحمل رؤية جديدة خالية من إرث الخلافات القديمة، وهذا ما يمنحنا التفاؤل.
كل ما نرجوه أن تمنح هذه الهيئات الفرصة والموارد الكافية لتثبت جدارتها، وأن تصاغ قوانينها بوضوح يضمن لها الاستقلالية والفاعلية، لتصبح مؤسسات قادرة على القيام بدورها الوطني في حماية السيادة الرقمية وبناء الدولة الحديثة.
ويبقى من الأسئلة الملحة التي ينبغي أن تجد إجابة:
أين موقع جهاز تنظيم الاتصالات والبريد من هذا الهيكل الجديد؟ وكيف سترسم خطوط التكامل بينه وبين الهيئات الثلاث الجديدة؟
إن نجاح هذه المرحلة لن يقاس بعدد القرارات، بل بقدرة الدولة على خلق انسجام مؤسسي حقيقي، يحول الرؤية الرقمية من شعارات إلى ممارسة، ومن قرارات إلى بنية مستقرة قادرة على الصمود في وجه التحديات.
فالتحول الرقمي ليس سباقا في تغيير الأسماء، بل رحلة في بناء الوعي المؤسسي الذي يضع الإنسان في قلب التنمية.
٧ نوفمبر ٢٠٢٥م.

اترك رد

error: Content is protected !!