النفعية والنفاق السياسي: الوجه الغربي للحرب والسلام في السودان (2019–2025)

مقدمة
تكررت على مدار عقود طويلة صور التفاعل الغربي مع الأزمات السودانية بين الوعود العلنية والمواقف الرسمية من جهة، والمصالح الاستراتيجية والاقتصادية من جهة أخرى. السودان، بموقعه الجغرافي الاستراتيجي وموارده الطبيعية المتنوعة، وهو جسراً يربط بين الثقافة العربية الإسلامية وبقية القارة الافريقية، و لم يكن مجرد قضية إنسانية أو سياسية، بل منصة لصراع مصالح إقليمي ودولي يتقاطع فيه الأمن والاستثمار والموارد. هذا التباين بين الخطاب الإنساني والمواقف العملية يمثل أبرز مظاهر النفعية، ويعكس نمطًا من النفاق السياسي في السياسات الغربية الجمعية تجاه الخرطوم.
ومنذ اندلاع التحولات السياسية في السودان بعد ما سمي بثورة 2019، وتحديدًا حتى عام 2025، ظهرت بوضوح صورة النفعية الغربية والنفاق السياسي في تعامل القوى الدولية مع السودان. فبينما تتحدث التصريحات الرسمية عن “السلام” و“حقوق الإنسان”، تكشف الأحداث على الأرض عن دعم ضمني لأطراف تشعل النزاع ، أو التهاون في معالجة الأسباب الجذرية للأزمة. السودان، بموقعه الاستراتيجي وموارده الطبيعية، أصبح ساحة لتقاطع مصالح اقتصادية وسياسية، حيث تُستثمر الحرب أحيانًا لتحقيق النفوذ، ويُستغل السلام إعلاميًا لتحسين صورة الغرب، بينما تبقى الأزمات الإنسانية مستمرة.
مصالح قبل مبادئ: تحليل معمّق
خلال هذه الحقبة، تكشفت سياسات النفعية بوضوح:
• الموارد الطبيعية: الذهب والمعادن النفيسة والنفط لم تتوقف عن كونها هدفًا للاستثمارات الأجنبية، حتى أثناء الاشتباكات المسلحة. التهاون الغربي في العقوبات الاقتصادية أو ضعف تنفيذها يعكس أن مصالح الاستثمار تتقدم على الالتزام بالحقوق الإنسانية.
• الموقع الاستراتيجي: السودان يطل على البحر الأحمر ويشكل بوابة بين شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ما جعله نقطة جذب للمصالح الغربية والإقليمية، خاصة في إطار التنافس على طرق الملاحة والممرات البحرية التجارية الحيوية.
• التنافس الإقليمي والدولي: منذ 2019، تداخلت المصالح الغربية مع سياسات قوى إقليمية ومن خارج حدود الاقليم، ما أدى إلى ازدواجية في المواقف: دعم السلام إعلاميًا، والحرب أحيانًا لتحقيق النفوذ أو حماية تدفق الموارد باتجاه هذه القوى.
النفاق السياسي: خطاب حقوق الإنسان مقابل الواقع
النفاق الغربي يظهر بوضوح من خلال التناقض بين التصريحات الرسمية والحقائق الميدانية:
• إدانة العنف إعلاميًا، بينما تستمر بعض الدعمات العسكرية والاقتصادية لأطراف تشعل النزاع للسيطرة على الموارد.
• رفع العقوبات أو تجميدها كأداة ضغط سياسية دون تنفيذ إصلاحات حقيقية على الأرض.
• خطط السلام تُعلن على المستوى الدولي، لكن غياب الإرادة والرغبة لمعالجة جذور النزاع يجعل هذه الخطط محدودة الفاعلية فيما تستمر حالة الهشاشة.
النفعية والنفاق الغربي: دروس الحقبة 2019–2025
بين الأعوام 2019 و2025، أظهرت سياسات الغرب تجاه السودان نموذجًا حيًا للنفعية السياسية والنفاق الممنهج. فبينما كانت التصريحات الرسمية تتحدث عن دعم التحول الديمقراطي و السلام وحقوق الإنسان، كشفت الأحداث على الأرض عن ازدواجية واضحة: دعم ضمني لبعض الأطراف المسيطرة على الموارد، والتهاون في العقوبات، وغموض في آليات تنفيذ اتفاقيات السلام. خلال هذه الحقبة، أصبح السودان مسرحًا لتقاطع مصالح استراتيجية واقتصادية: الذهب والمعادن النفيسة والنفط استُخدمت أدوات ضغط واستثمار، والموقع الجغرافي للسودان جعل من التدخل الغربي والإقليمي أداة لتحقيق النفوذ والسيطرة على الممرات الحيوية. هذا التناقض بين الخطاب الحقوقي والواقع الميداني يؤكد أن النفعية والنفاق ليست مجرد نظريات، بل واقع ملموس، وأن السلام المزمع غالبًا ما يكون عنوانًا دعائيًا لا يعالج جذور الصراع، ما يجعل رسائل الغرب تجاه السودان خلال السنوات الأخيرة محملة بالدروس التحذيرية حول مدى صدقية الخطاب الدولي مقارنة بالممارسة الفعلية.
الحرب والسلام: أدوات للمكاسب الاستراتيجية
بين 2019 و2025، يمكن النظر إلى النزاع في السودان كأداة لتحقيق أهداف خارجية:
• الحرب: استُخدمت لضمان النفوذ والسيطرة على الموارد بأسعار مناسبة، وأحيانًا لتوجيه ميزان القوى الإقليمي بما يخدم مصالح القوى الأجنبية.
• السلام: غالبًا ما يُطرح إعلاميًا، لإظهار صورة إيجابية للغرب، بينما تبقى الأسباب الجذرية للنزاع دون معالجة فعلية.
خاتمة
إن قراءة السلوك الغربي تجاه السودان خلال الحقبة الهشة منذ 2019–2025 تكشف أن النفعية والنفاق ليس مجرد نظريات، بل مخطط قائم وواقع ملموس على الأرض. فالمجتمع السوداني اليوم يحتاج إلى وعي دقيق بهذه الحقائق، لتطوير حلول وطنية مستقلة توازن بين الضغوط الدولية وقدرة الدولة والشعب على التكيف وحماية مصالحها. السلام المستدام لن يتحقق إلا عندما يُبنى على إرادة وعزيمة وطنية قوية، ومبادرات داخلية جادة تتجاوز الواقع الراهن، وتستند إلى مصالح الأمة السودانية، لا مصالح الدول الخارجية المتقلبة، والحالمين من العملاء وتجار الحروب بالداخل في دعم مشروعهم من قبل هؤلاء لاجل الصعود به لمنصة الحكم . إدراك هذا الواقع خلال السنوات الأخيرة هو مرحلة مهمة نحو استعادة السيادة الوطنية والأمن القومي وصياغة مستقبل أكثر عدالة واستدامة، بعيدًا عن أي مصالح او مشروعات أجنبية وضغوط عبر استراتيجيات قصيرة المدى. المجتمع السوداني بحاجة إلى وعي حقيقي واستنهاض بهذه الحقائق والمخططات التآمرية على بلادهم، للتهيؤ لتطوير حلول وطنية مستقلة، توازن بين الضغط الدولي وقدرة الدولة على صياغة مشروعات من صنعها تحمي مصالحها. السلام الدائم لن يتحقق إلا عندما يُبنى على إرادة وطنية قوية، تتجاوز الشعارات الغربية وتستند إلى مصالح الشعب السوداني، لا إلى مصالح الدول الخارجية التي تعمل لأجل مصالحها بخطط دقيقة. إن إدراك هذا الواقع هو الخطوة الأولى نحو وعي جمعي مستبصر لاستعادة السيادة وصياغة مستقبل أكثر عدالة واستقرارًا، ووعي جمعي يدرك من يحيط بها من دسائس.
⸻
٧ سبتمبر ٢٠٢٥م
.