الرواية الأولى

نروي لتعرف

هموم وقضايا / السفير د. معاوية التوم

المرتزقة والوجود الأجنبي في حرب أبريل 2023 وأثره على علاقات السودان الخارجية!

السفير د. معاوية التوم

مقدمة

شهدت حرب أبريل 2023 في السودان تدخلاً واسعاً للمرتزقة والمجموعات الأجنبية إلى جانب قوات الدعم السريع المتمردة ، وهو تدخل أضاف أبعاداً جديدة للنزاع وجعله قضية ذات بعد إقليمي ودولي معقد. وقد امتد هذا الوجود الخارجي الي اولئك الذين كانوا يقيمون قبلا بالسودان من مختلف الجنسيات لاسباب مشروعة وغيرها، وامتد ليشمل (عربان الشتات ) ومرتادي الأجرام والسجون من دول متعددة بعضها مجاورة مثل ليبيا وتشاد وجنوب السودان وكينيا ، مرورا بالنيجر، الكاميرون وغيرها .وشمل تجنيدهم دول المشرق والمغرب العربي وأفريقيا.إضافة إلى دول بعيدة مثل روسيا وكولومبيا، إلى جانب أطراف إسرائيلية وإماراتية، وبعض المنظومات شبه الرسمية التي قدمت دعمًا عسكريًا ولوجستيًا وفنياً وتقنياً وتسهيلات متعددة في استضافة معسكرات التدريب ومصانع الطعام والتجهيزات والصيانة والتقانة.
الأهداف والأبعاد:
استخدام هذا العدد الضخم من المرتزقة والمهاجرين واللاجئين في حرب السودان، والأموال والموارد الوفيرة التي صرفت عليهم والإغراءات من غنائم الحرب والحوافز والوعود المفتوحة لهم بالمن والسلوى بعد الدمار . يدلل على كنه عقلية المخطط والراعي الاقليمي وما وراءه من تشابكات . والذي يشكّل تحولًا خطيرًا في طبيعة الصراع من صراع داخلي إلى حرب ذات طابع عابر للحدود، إذ أضفى على المعارك بعدًا استراتيجيًا يهدد الأمن القومي والإقليمي معًا. فالمرتزقة الذين استُجلبوا من دول متعددة، وبمهام عسكرية ولوجستية وتقنية مختلفة، منحوا النزاع قدرة على الاستمرار والتصعيد، وقلّصوا فرص الحلول السياسية الداخلية. كما أدى هذا النمط من التجنيد العشوائي إلى إدخال عناصر غير منضبطة وغير مرتبطة بأجندة وطنية، بلا قيم او مباديء، ما زاد من حتمية ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة، وفتح الباب أمام تحوّل السودان إلى ساحة لتقاطع مصالح خارجية تُدار بأدوات بشرية مستأجرة، الأمر الذي يهدد استقرار المنطقة بأسرها والامن والسلم الاقليمي. ويمدد دائرة انتشار الظاهرة.
أنواع المقاتلين والخبرات
تضمن التدخل الخارجي مجموعات متنوعة من المقاتلين والكوادر، والعتاد الحربي بما في ذلك:
•ضباط وخبراء عسكريون من أفريقيا، روسيا وكولومبيا، مختصون في التخطيط العملياتي، التدريب، وتشغيل المدفعية والطائرات المسيّرة. بخبرات نوعية في القنص والتفجير والاغتيالات
•مرتزقة أفارقة وعرب كانوا موجودين بالسودان كلاجئين أو أصحاب أعمال تجارية أو هامشية أو طلاب، من اليمن، سوريا، إريتريا، إثيوبيا، والكاميرون وغيرها.
•فنيون متخصصون في صيانة العربات والآليات، تشغيل أجهزة الاتصال الحديثة، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والمراقبة وأجهزة الكشف عن المجوهرات.
•كوادر إعلامية وتقنية مسؤولة عن الإسناد الإعلامي العسكري والترويج الإعلامي للنزاع.
.الكادّر العمالي من سائقين وميكانيكية:
من المهام اللازمة في الاعداد والتجهيز العسكري وامتدت لسرقة السيارات ونهب منازل المواطنين.
المهام العسكرية، التقنية، الاقتصادية، والإعلامية
شمل دور المرتزقة والوجود الأجنبي مهامًا متعددة:
•المهام العسكرية: المشاركة في القتال المباشر، القنص، الاغتيالات المستهدفة، التفجيرات، وتشغيل المدفعية بعيدة المدى.
•المهام التقنية والفنية : إدارة الطائرات المسيّرة، نظم المراقبة والاتصالات، أجهزة كشف الذهب والمجوهرات والتحف داخل الأعيان المدنية ومساكن المواطنين، وتدمير الأرشيف الوطني والآثار والمقتنيات النادرة.
•المهام الاقتصادية: تشغيل خطوط إنتاج صغيرة، إدارة المخازن، توزيع الطعام والشراب، الملابس، الأحذية، وأحياناً تجارة المخدرات (ICE، كابتيغون، حشيش) والمشروبات الروحية.
•المهام الإعلامية: الإسناد الإعلامي العسكري، الترويج للنزاع، وإدارة المراكز الإعلامية المخصصة لتضليل الرأي العام أو تعزيز النفوذ العسكري.
المعدات العسكرية والأجهزة المستخدمة وأثرها على العلاقات الخارجية
تنوّع التدخل الخارجي ليشمل معدات عسكرية متقدمة، منها العربات المدرعة، المدفعية، الصواريخ، الراجِمات، مضادات الطائرات، أجهزة الاتصال الحديثة، والطائرات المسيّرة ومعدات المراقبة والتجسس. وقد أدت هذه القدرات إلى اضطرار الحكومة السودانية إلى التواصل المكثف مع الدول الموردة للمرتزقة لضبط نشاط مواطنيها، وتأكيد سيادة السودان. فقد أعربت كولومبيا عن أسفها لتورط مواطنيها، وأبدت استعدادها للتعاون مع الخرطوم لمنع تكرار التدخل، فيما أجبرت التدخلات الروسية والإسرائيلية والإماراتية السودان على فتح قنوات تفاوض لضبط النشاط العسكري الخارجي مع مراعاة المصالح الاقتصادية والاستثمارية. كما جرى التواصل مع دول الجوار مثل ليبيا وتشاد وجنوب السودان وكينيا والنيجر لتقنين نشاط المجموعات الأجنبية ومنع استخدام أراضيها كمعابر للمرتزقة والمعدات، وهو ما ساعد في تعزيز التنسيق الإقليمي وإظهار قدرة السودان على إدارة النزاع على المستوى الدبلوماسي.
احكام وضبط الوجود الاجنبي
اثبتت هذه الحرب المفروضة على البلاد ترابطا وثيقا بين المرتزقة والمكونات الاجنبية الموجودة أصلا بالبلاد، سواءً ما اتصل باللجوء او الهجرات غير الشرعية كون السودان دولة عبور فيها . وبدأ جليا إن تنظيم وضبط الوجود الأجنبي وإفرازاته في السودان يستدعي تبنّي منظومة متكاملة من التشريعات والقوانين والإجراءات التي تكفل التعامل الرشيد مع هذه الظاهرة، بما يحدّ من مخاطرها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والصحية. ويتطلب ذلك إحياء وتفعيل التعاون الثنائي والإقليمي والدولي مع الدول المتسببة في تدفقات الهجرة غير النظامية، بما في ذلك إعادة بعض الوافدين وفق آليات إنسانية وقانونية متفق عليها. كما يقتضي الأمر إشراك كل من إدارة شؤون اللاجئين وإدارة الهجرة غير الشرعية والأجهزة المعنية في صياغة وتنفيذ السياسات، لضمان معالجة متوازنة تجمع بين حفظ الأمن القومي والسيادة الوطنية، ومكافحة الجريمة المنظمة والتهريب والمخدرات، وبين الوفاء بالالتزامات الإنسانية والدولية، وبما يسهم في الحد من تفشي الأمراض والأوبئة وتحويل التحدي إلى مجال منظم للتعاون والتنمية باحياء كافة الاجراءات والنظم الضابطة في هذا الخصوص.
خلاصة
رغم الاثار الكبيرة والمتعاظمة على البلاد في حجم الجرائم والفظائع التي ارتكبت والنهب والسرقة والفقد. وكل ما يرتبه القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي من عقوبات، اضافة الي القانون الوطني، شكل تدخل المرتزقة والوجود الأجنبي في حرب أبريل 2023 تحدياً استثنائياً للسيادة الوطنية والأمن الداخلي، لن يكون في تجربته قاصرا على السودان وحده بل سيمتد الي الجوار والاقليم . إذ كشف عن أبعاد وثغرات كبيرة وهشاشة في بعض اجهزة الدولة في ضبط أراضيها وحدودها واجراءات الاقامة وسلامة مواطنيها، أمام التدخلات الإقليمية والدولية. وفي الوقت ذاته، مثل هذا التدخل فرصة استراتيجية للسودان لإعادة رسم أولوياته الدبلوماسية، وتعزيز قدرته على إدارة الأزمات متعددة الأبعاد. فقد فرضت الواقعة على الحكومة السودانية فتح قنوات تفاوضية مع الدول الموردة للمرتزقة باعترافها ، وضمان التزامها بالحد من التدخلات المستقبلية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على المصالح الاقتصادية والاستثمارية مع هذه الدول.
كما أبرزت الأزمة أهمية تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لمراقبة الحدود ومنع استخدام أراضي الجوار كمعابر للمرتزقة والسلاح والمعدات، مما عزز من مصداقية السودان في إدارة النزاعات وفرض نفوذه الدبلوماسي. إضافة إلى ذلك، سلطت الأزمة الضوء على الدور الحاسم للسياسة الخارجية في الربط بين الأمن والاقتصاد والإعلام، ومكافحة الجريمة المنظمة والعابرة، حيث أصبح التحرك الدبلوماسي أداة أساسية لضبط التأثيرات الخارجية، وحماية مصالح الدولة، واستعادة الثقة الإقليمية والدولية.
بالتالي، يمكن القول إن إدارة الحكومة لهذه الأزمة تمثل نموذجاً لتوظيف مخاطر الحرب لجهة المطالب بالتعويض عن الأضرار ولكيفية تحويل التحديات العسكرية والأمنية إلى فرص لتعزيز العلاقات الخارجية، وإعادة تأكيد سيادة الدولة، وإبراز السودان كفاعل قادر على التعامل مع التدخلات المعقدة متعددة الأبعاد، مع الحفاظ على مصالحه الوطنية والاستراتيجية في بيئة إقليمية ودولية متشابكة. وهذا كله تاتي بفضل الله ونصره ، والخبرة والقدرة التراكمية الاحترافية للمنظومة العسكرية بالسودان والنفرة الشعبية وتلاحمها مع القيادة لدحر هذا العدو وكنس آثاره المترتبة والتي ستستغرق حتما ردحا من الوقت.

اترك رد

error: Content is protected !!