المبادرات المجتمعية ودورها في مساعدة الشرائح الضعفية في المجتمع السوداني: الاشتراك في الأضحية انموذجا
ثمة مؤشرات كثيرة تدل على حيوية المجتمع وقدرته على النهوض والاستجابة للتحديات التى تواجهه، ومن أهم هذه المؤشرات ما ينبثق عنه من “مبادرات مجتمعية” تكون عونا على الارتقاء بشرائحه المتعددة لاسيما الفئات الأكثر احتياجًا؛ تستهدف هذه المبادرات الرقى المعنوى، كالتعليم والتوجيه والتعريف بالحقوق؛ أو الرقى المادى كتوفير بعض الاحتياجات الضرورية من الغذاء والكساء والدواء والاهتمام بالشرائح الضعيفة.هذه المبادرات ضرورةٌ حضارية من أكثر من وجه، فهي من ناحيةٍ تدل على تماسك المجتمع وتلاحم فئاته وطبقاته، و من ناحية أخرى تسد ثغرات ربما عجزت عن سدها المؤسسات الرسمية بسبب القصور المادى، أو عدم الالتفات الكافى لهذه الثغرات. بجانب ذلك، فإن لهذه المبادرات فاعلية كبيرة لقوة الدافع الذاتي لمن يضطلعون بها وبالتالي توفر الإرادة الدافعة للتحرك بقصد النفع العام وليس بقصد أداء وظيفى أو إحراز مغنم شخصى. فماهي المبادرات المجتمعية؟
المبادرة المجتمعية
المبادرة المجتمعية أو Community Based Initiative (CBI) -يطلق عليها أحيانًا مبادرة شعبية- تعود فكرتها إلي ثمانينات القرن الماضي مقترنة ببرامج تقديم الرعاية الصحية التي تتبناها منظمة الصحة العالمية في مجتمعات الدول النامية ثم توسعت وانتشرت تلك المبادرات لتشمل أغرض اجتماعية أخري، بشكل عام تتكون المبادرة المجتمعية من شبكة من الأفراد أو المنظمات الشريكة التي تسعي لتحسين صحة ورفاهية المجتمع علي وجه التطوع، كما تسعى إلى معالجة المشاكل الاجتماعية والحد من تأثيرها لتحسين نوعية حياة الناس. تختلف هذه المبادرات باختلاف حاجيات المجتمع ، بعضها يقوم علي الإبتكار في عدة مجالات مثل إصحاح البئية، التعاطي مع قضايا التشرد ، تعاطي المخدرات والحد من إنتشارها ، مكافحة العنف المنزلي و مساعدة الفئات الضعيفة في المجتمع وغيره الكثير من الأعمال الخيرة.
تختلف فكرة المبادرات المجتمعية عن منظمات المجتمع المدني من حيث صغر حجم المبادرات المجتمعية التي يمكن أن يقوم بها فرد واحد أو أفراد، كما أنها تخدم غرض معين موجه لخدمة أصحاب المصلحة الذين يشاركون في تنفيذ أعمالها بصورة طوعية وعلي وجه السعة،كما يشاركون بأفكارهم في وضع وتنفيذ و ترقية أهداف المبادرة. يعتمد تمويل هذه المبادرات علي دعم المؤسرين في المجتمع المعني وغيرهم، الدعم الحكومي، المنظمات الطوعية، منظمات المجتمع المدني، الشركات الكبيرة العالمية و المحلية عن طريق تخصيص جزء من ميزانية المسؤولية المجتمعية لدعم أنشطة هذه المبادرات.
المجتمع السوداني والمبادرات المجتمعية
عُرف المجتمع السوداني بالتسابق في أعمال الخير الفردية و الجماعية مثل أعمال النفير،الفزعة،العون الذاتي في التعليم والصحة، النجدة في الملمات مما يؤهل هذا المجتمع إلي تطوير أو إبتدار مبادرات مجتمعية جديدة بحسب التجربة المتراكمة وسهولة تفعيل مثل هذه القيم ووضعها في قوالب جديدة (مبادرات مجتمعية) تُعين أفراد المجتمع السوداني ممن يحتاجون للعون وما أكثرهم، الظن في المجتمع حسن فقط يحتاج ذلك لمبادرات تشجيعه، ودلت التجارب علي ذلك، فهنالك مبادرات عديدة ناجحة جدا منها علي سبيل المثال: صدقات، السقيا، شباب الحوادث و جمعية ود بلال وغيرها في مختلف مناطق السودان وفي ذلك متسع للكثير من المبادرات المجتمعية مثل مبادرة لتشجيع الاشتراك في الأضحية في السودان التي نقترحها في هذه المساهمة.
مبادرة الاشتراك في أضحية البُدن (البقر/الجمال) في السودان
اتفق جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة على أنه يشترط في الأضحية أن تكون من الأنعام وهي الغنم (الضأن والماعز) والبُدن (الإبل والبقر)، ولكل مذهب تفصيل وحكم في ذلك، و بما أن غالبية أهل السودان مالكية، فإن المذهب المالكي لايجوز “الأشتراك في الثمن والبدن، ” الاشتراك في الثمن والبدن هو أن تتفق جماعة، فيدفع كل واحد منهم قسطا من الثمن، ثم يقتسمون الأضحية، وهو غير جائز عن المالكية، وجائز عن الشافعية والحنابلة و الأحناف في البُدن بين سبعة علي الأكثر، لا في الغنم (أحكام الأضحية وفقا للمذهب المالكي:الشيخ عبد الله بن الطاهر).
طالما أن في الفقه سعة عند غير المالكية فأري أنه يمكن أن تقوم مبادرة/ مبادرات في جميع أنحاء السودان باتباع فتوي الأشتراك في البقر التي تجزي الواحدة منه عن سبعة أشخاص، لذا أري أن هنالك حاجة ملحة -مع ظروف السودان الاقتصادية الحالية- أن تتجه الأنظار إلي تبني مبادرات تشجع الإشتراك في الأضاحي ( أن يشترك 7 أشخاص في ثمن بقرة للأضحية) لإدخال الفرحة علي من لم يستطيع الأضحية خاصة ذوي القربي من الأسر الممتدة في أرياف السودان ومدنه.
في مثل هذه المبادرة خير كثير للجميع، فأضحية البقر توفر كمية كبيرة من اللحم، ويمكن أن نحصل من الثور الواحد مثلا علي 55-60% من اللحم الصافي وبالتالي تتسع دائرة الإشراك في الأجر والتوسعة علي الفقراء، أسعار البقر فيها تخفيف من ناحية التكلفة المادية علي المشتركين ( سعر كيلو لحم من البقر -حسب الوزن وهي حية- يترواح تقريبا ما بين 1.25-1.50 دولار ، وهو أدني سعر) وعليه يمكن المقارنة بين تكلفة سهم الاشتراك أو شراء الخروف.
يمكن الاستفادة من جلود أضاحي البقر ايضاحيث يتراوح سعر بيع الجلد (خام) 2.5-3.00 دولار مقارنة بسعر جلد الماعز (خام) الذي لا يتجاوز سعره نصف دولار، فلك أن تتأمل لو تمت مبادرة علي نطاق السودان لتجميع الجلود والتنسيق مع الجهات ذات الصلة حكومية أو تجارية لبيعها والاستفادة من ريعها في دعم المشافي مثل مراكز غسيل الكلي أو مراكز علاج السرطان أو حفر آبار للسقيا . لو أستطعنا أن نقنع حوالي 7 مليون شخص بالإشتراك في الأضاحي علي مستوي السودان فسيكون لدينا مليون أضحية علي الأقل (بحساب كل 7 أشخاص يشتركون في بقرة) يمكن أن تجلب جلودها حوالي( 2-(2.5 مليون دولار، مثل هذا المبلغ يمكن أن تحدث تغييرا وسط الفئات/ الجهات المستهدفة وبل أن الاهتمام بتجميع الجلود وبيعها يسهم في أصحاح البئية خاصة في فصل الخريف و يمكن ايضا تجنب كوارث صحية وبئية كما حدث في العامين السابقين.
أكتب هذه المقترح وفي البال خواطر مؤلمة جدا، يتملك السودان وفقا لبعض التقديرات حوالي 110 ملايين رأس من المواشي، منها 44 مليون رأس من الأبقار، و33 مليون رأس من الضأن، و26 مليون رأس من الماعز، و5 ملايين رأس من الإبل ومع ذلك ترتفع الأسعار لدرجة أن تصعب الأضحية علي من يستطيع و تنعدم معها حظوظ الشرائح الضعيفة لدرجة أن تأتي منظمات من وراء البحار من دول مثل تركيا وماليزيا وغيرها لتوفر الأضاحي لفقراء السودان الذين يشبه حالهم العِيسِ في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمولُ !
نحن أولي بالمبادرة من هذه المنظمات و علينا أن نتذكر أن الصدقة علي ذوي القربي مضاعفة وهي صلة رحم وصدقة ومع أنه عاما ولكنه يمكن أن يشمل ذلك الاضحية خاصة إذا كان بين المتصدق و ذوي الرحم خصومة حيث يعظم أجرها ، قال صل الله عليه وسلم: (إنَّ أفضَلَ الصَّدَقةِ الصَّدَقةُ على ذي الرَّحِمِ الكاشِحِ). ومعنى الكاشح المبغض الصاد عنك (رواه أحمد وأبو داود والترمذي صحيح الجامع).