المؤتمرات التكنولوجية والصفقات غير المعلنة في مسار التحول الرقمي: قراءة تحليلية مستقلة الأبعاد والمخاطر .

يشهد العالم اليوم تسارعًا غير مسبوق في وتيرة التحول الرقمي، حيث أصبحت المؤتمرات التكنولوجية منصات مركزية لعرض الحلول الذكية وتبادل الرؤى المستقبلية. إلا أن هذه الفعاليات، التي يُفترض أن تكون محافل مهنية لتطوير السياسات الرقمية، قد تشهد في بعض الحالات تفاهمات غير رسمية تُبرم بين ممثلين حكوميين وشركات تقنية دولية، بعيدًا عن الأطر المؤسسية المعتمدة.
تُعقد هذه التفاهمات في أروقة جانبية، وتُغلف بعبارات عامة مثل “تعزيز التعاون الرقمي” أو “استكشاف فرص الشراكة”، بينما قد تنطوي في جوهرها على مصالح تجارية مباشرة لا تمر عبر قنوات التقييم الفني أو الرقابة المالية. ويُلاحظ أن بعض من يمثلون الدولة في هذه المؤتمرات لا ينتمون إلى التخصصات التقنية التي يمكن أن تسهم بشكل مباشر في تطوير القطاع، بل يُمنحون صلاحيات تفاوضية دون تفويض واضح، مما يفتح المجال أمام عروض مغرية تشمل زيارات خاصة وتجارب حصرية، وربما امتيازات غير معلنة.
هذه الممارسات، إن وُجدت، قد تُفضي إلى اعتماد حلول رقمية أو توقيع عقود توريد تُفرض لاحقًا على المؤسسات الحكومية كأمر واقع، دون مراجعة مؤسسية أو ملاءمة للبيئة المحلية. ويُطلب من الجهات المختصة أن تتكيف مع هذه “الاختيارات الاستراتيجية”، رغم ما قد تحمله من تحديات تتعلق بالسيادة الرقمية أو الكفاءة التشغيلية.
من هذا المنطلق، تبرز الحاجة إلى إعادة تعريف آليات تمثيل الدولة في المؤتمرات التكنولوجية، وربطها بمسؤولية قانونية واضحة، تضمن وجود خبراء مختصين وممثلين من الجهات الرقابية في كل وفد رسمي. كما يُقترح إنشاء آلية مؤسسية لتوثيق اللقاءات الجانبية التي تُعقد خلال هذه الفعاليات، وتحديد ما إذا كانت قد أسفرت عن عروض أو تفاهمات، مع إلزام المشاركين برفع تقارير تفصيلية تُعرض على الجهات الرقابية المختصة.
التحول الرقمي، في جوهره، ليس مجرد اقتناء أنظمة أو اعتماد منصات، بل هو مشروع وطني يتطلب رؤية استراتيجية، مشاركة مؤسسية واسعة، ومساءلة دائمة. وإذا تُرك هذا المسار في يد غير المختصين، فإننا نخاطر بتحويله إلى سلسلة من التفاهمات الفردية تُبرم في الظل وتُنفذ في العلن، دون أن يكون للمصلحة العامة فيها نصيب.
إخلاء مسؤولية قانونية
هذا المقال يُعبّر عن وجهة نظر تحليلية مستقلة، ويهدف إلى تسليط الضوء على بعض التحديات المحتملة في مسار التحول الرقمي، دون توجيه اتهامات مباشرة أو الإشارة إلى جهات أو أفراد بعينهم. جميع المعلومات الواردة فيه تُستند إلى ملاحظات عامة وتجارب دولية، ولا يُقصد بها التشهير أو المساس بأي جهة رسمية أو خاصة. يُحتفظ بحق الكاتب في التعبير وفقًا لما تكفله القوانين الوطنية والدولية المتعلقة بحرية الرأي والنشر.
محمد الحاج
مختص في مجال التحول الرقمي
٥ اكتوبر ٢٠٢٥