الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرواية الأولى / مجدي عبدالعزيز

الطموح المشروع والطموح غير المشروع في ممارسة السياسة

مجدي عبدالعزيز

السياسة، في جوهرها، هي فن الممكن، وسعي دائم لتحقيق الصالح العام. ولكنها، في الوقت نفسه، ساحة تتصارع فيها المصالح والطموحات. والطموح، بحد ذاته، ليس سلبياً؛ فهو الدافع وراء كل إنجاز بشري، من اكتشاف النار إلى غزو الفضاء. وفي ممارسة السياسة، يلعب الطموح دوراً محورياً في دفع الأفراد نحو القيادة وتحقيق التغيير. ومع ذلك، هناك خيط رفيع يفصل بين الطموح المشروع الذي يخدم الأمة، والطموح غير المشروع الذي يفسد الحياة السياسية ويضر بالمجتمعات.


الطموح المشروع : خدمة عامة ورؤية بناءة .

الطموح المشروع في السياسة هو ذلك الذي ينبع من رغبة حقيقية في خدمة الوطن والمواطنين. إنه طموح مدفوع برؤية واضحة لمستقبل أفضل، ورغبة في تحقيق العدالة، التنمية، والرخاء. يتميز السياسي ذو الطموح المشروع بصفات عدة:

النزاهة والشفافية : يضع المصلحة العامة فوق أي مصلحة شخصية أو فئوية. يتجنب الفساد والمحسوبية، ويعمل بشفافية تامة أمام شعبه.

الرؤية الاستراتيجية : لا يكتفي بالحلول الوقتية، بل يسعى لوضع خطط طويلة الأمد تخدم الأجيال القادمة. لديه القدرة على استشراف المستقبل والتخطيط له.

الكفاءة والاجتهاد: يسعى لتطوير قدراته ومعارفه باستمرار، ويعمل بجد واجتهاد لتحقيق أهدافه. يدرك أن القيادة تتطلب عملاً دؤوباً وتفانياً.

• القدرة على الاستماع والحوار : يؤمن بالحوار البناء وتقبل الرأي الآخر، ويسعى للتوافق بدلاً من الإقصاء. يستمع لمطالب الناس وشكواهم ويحاول تلبيتها قدر الإمكان.

التضحية ونكران الذات : مستعد للتضحية بوقته وجهده ومصالحه الشخصية من أجل الصالح العام. يدرك أن العمل السياسي مسؤولية وليست مغنماً.

السياسي الذي يمتلك طموحاً مشروعاً هو من يبني المؤسسات ويقوي الدولة ويحافظ على وحدتها وتماسكها. إنه يمثل نبض الشارع ويعكس آماله وتطلعاته، ويسعى دائماً لرفع مستوى معيشة المواطنين وتحقيق كرامتهم.

الطموح غير المشروع : سعي للسلطة والمصالح الشخصية

في المقابل، الطموح غير المشروع هو ذلك الذي يدفع بالسياسي إلى السعي وراء السلطة لذاتها، أو لتحقيق مكاسب شخصية ضيقة، أو خدمة أجندات خاصة على حساب المصلحة العامة. يمكن أن يتجلى هذا النوع من الطموح في صور متعددة:

• السعي وراء السلطة بأي ثمن : قد يلجأ السياسي ذو الطموح غير المشروع إلى تزييف الحقائق، تضليل الرأي العام، شراء الذمم، أو حتى استخدام العنف والوسائل غير المشروعة لتحقيق أهدافه. لا يرى في السياسة خدمة بل وسيلة للسيطرة والنفوذ.

الفساد المالي والإداري : يستغل موقعه لتحقيق ثراء غير مشروع، سواء بالرشوة، الاختلاس، أو استغلال النفوذ لمصلحته الشخصية أو لمصلحة المقربين منه.

•الشعبوية والتلاعب بالمشاعر: يعتمد على الخطاب العاطفي والمزايدات السياسية لكسب تأييد الجماهير، دون تقديم حلول حقيقية أو برامج عمل واضحة. يستغل قضايا الناس لكسب الشعبية دون رغبة حقيقية في حلها.

الإقصاء والتهميش : يسعى لإقصاء المنافسين وتهميش الأصوات المعارضة، ويبني شبكة من الولاءات الشخصية بدلاً من الاعتماد على الكفاءة والجدارة. يرى في الخلاف السياسي عداء شخصياً يجب القضاء عليه .

•الاستبداد وتدمير المؤسسات : إذا وصل إلى سدة الحكم، قد يسعى لتدمير المؤسسات الديمقراطية أو الشورية أو آليات صناعة القرار – حسب واقع المرحلة – ، وإضعاف دولة القانون، وتركيز السلطة في يده، ليصبح متنفذاً مطلقاً لا يخضع للمساءلة.

الطموح غير المشروع هو سم يفتك بالجسد السياسي للمجتمع .. إنه يقوض الثقة بين الحاكم والمحكوم، ويفتح الباب أمام الفساد والاستبداد، ويؤدي في النهاية إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وقد يقود إلى مزيد من الاضطرابات والصراعات الداخلية.

الخاتمة

إن التمييز بين الطموح المشروع وغير المشروع في ممارسة السياسة أمر بالغ الأهمية لسلامة أي مجتمع. وعلى شعبنا الذي ذاق الأمرين ونخبه وصناع رأيه العام أن يكونوا بقدر الوعي والأدراك لهذه الفروق، وأن تدعم السياسيين الذين يمتلكون طموحاً مشروعاً يخدم الصالح العام، وأن تحاسب وتنبذ من تسول له نفسه استغلال السياسة لتحقيق مآرب شخصية. فالطموح البناء هو ركيزة التقدم، بينما الطموح الهدام هو نذير الخراب. بناء حياة سياسية سليمة يتطلب وعياً مجتمعياً يدعم الطموح النبيل ويحارب الطموح الأناني.

والي الملتقي …

اترك رد

error: Content is protected !!