
1
ما القصة؟
القصة أن هناك قرية في شمال دارفور تدعى أم جرهمان، وفي إحدى ارتكازاتها أصدر المدعو خميس محمد أحمد، قائد ذلك الارتكاز، قرارًا يأمر بقتل كل الكلاب الضالة والمريبة في المنطقة، وإلا فسيقوم بفرض غرامة عليه تقدر بمليار جنيه ويقتل الكلب أيضًا.!!. استوقفتني في منشور ذلك القائد عدة ملاحظات دونتها حول هذا القرار الغريب.
غرابته في كونه يتحدث عن “الكلاب الضالة والمريبة”، وذلك يعني أن الكلاب المطلوب إعدامها بلا سيد ولا أحد يرعاها، وهي تسير هكذا في الطرقات بغير هدى فتثير الذعر لدى المارة والأهالي. وبذا فهي فعلًا تكون “ضالة ومريبة” كما قال منشور السيد القائد…!! لكن المنشور يأمر المواطنين بقتل كلابهم!! ما دخل كلاب المواطنين بتلك “الكلاب الضالة والمريبة”؟ هناك فرق بين كلاب عندها سيد، وكلاب ضالة، وكلاب مرتزقة كما سنرى.
2
الأمر الثاني الذي دفعني للتفكير في قرار الكلاب الضالة هو أن المليشيا حتى الآن لم تنته من شغلها الأساسي وهو قتل الناس أيًا كان نوعهم وجنسهم ولونهم ودينهم، شغلها الأساسي هذا لم تفرغ منه بعد، فلماذا تشتت جهودها وتسارع في مطاردة الكلاب الضالة الآن فتخسر وقتها في كلاب صالة ساكت؟. صحيح أنها طالبت الأهالي بقتل تلك الكلاب بذخيرتهم أو حرابهم، ولكنهم إن لم يفعلوا ستقوم هي ذاتها بمهمة القتل، وهي لم تفرغ بعد من مهمتها بعد قتل البشر!! البشر لا يزالون موجودين وأحياء، صحيح أنها أفنت منهم حتى الآن أكثر من 150 ألف إنسان، ولكن لا يزال هناك متسع بالملايين، وهي تعرف ذلك لأنها هي نفسها من شردتهم الملاجئ والمنافي، ولا يزال بداخل البلاد ملايين تحاصرهم في المدن والقرى، فلماذا تستعجل هذه المليشيا قتل الكلاب الضالة إذ بإمكانها مواصلة إبادة الناس في المناطق التي تحت سيطرتها كما فعلت في أم صميمة قبل أيام؟.
3
تساءلت لماذا يا ترى تقتل المليشيا تلك الكلاب الضالة والمريبة؟ الإجابة لأنها غالبًا ما تعتدي على الناس في بيوتهم والطرقات، بالطبع هي لا تنهب ولا تشفشف إلا بواقي الأكل في البيوت والمطاعم. إذن كل ما يمكن أن ترتكبه تلك الضالة المريبة من جرم، هو الاعتداء على الأهالي “بعضهم” وإخافتهم.؟ إذن قل لي يا صاحِ، ماذا كانت تفعل المليشيات طيلة العامين الماضيين؟ ألم تكن تفعل ولا زالت تقوم بأفعال أكثر بشاعة ودموية ووحشية من تلك الكلاب الضالة والمريبة؟ فمن يا ترى أولى بالقتل: المليشيا أم كلاب منطقة أم جرهمان الضالة؟.
ليس بوسع قطيع من الكلاب الضالة بالطبع أن يرتكب مجازر كتلك التي ارتكبتها المليشيا في الجنينة وود النورة وفي معسكر زمزم بالفاشر، ولكن بوسع “تاتشر” واحد يحمل “دوشكا” أن يدك قرية بأكملها، وقد فعلوها في قرى الجزيرة فقتلوا الأهالي الآمنين وكلابهم الأليفة وتلك الضالة والمريبة دون أن يغرموا شيئًا، لا بل نهبوها وغادروا.. ترى كيف نقارن بين ضلال المليشيا وضلال كلاب أم جرهمان؟ أيهما أفضل: من “يهوهو وينبح ويعض” فقط، أم من يذبح الناس بادعاء أنهم الفلنقايات؟!!. وإذا كانت غرامة “الكلب الضال والمريب” الذي يتوقع أن يتعدى على الأهالي مليار جنيه، فما هي غرامة من قتلوا الأهالي فعلًا ونهبوا وسرقوا واغتصبوا النساء.!!
4
السؤال الذي يبحث له عن إجابة هو .. من أين أتت تلك الكلاب “الضالة المريبة” إلى أم جرهمان التي كانت قرية وادعة ومسالمة ترعى كلابها التي أحسنت تربيتها مع الأغنام وتحرسها ويوظفها الأهالي في الصيد؟ الأهالي يعرفون كلابهم جيدًا، وهي بهذا ليست ضالة ولا مريبة!!. إذن من أين أتت تلك الكلاب “الضالة المريبة” ومن أتى بها إلى أم جرهمان؟
لا بد أنها كلاب “مرتزقة” جاء بها سماسرة الكلاب الدوليون إلى أم جرهمان، تمامًا كما جاؤوا بالكولومبيين إلى حتفهم في تخوم الفاشر. هؤلاء الكولومبيون مثلهم مثل “الكلاب الضالة المريبة”، غير أن المرتزقة الكولومبيين يعرف الناس من جاء بهم للفاشر ومن استجلبهم!! لا أحد يعرف من أتى بتلك الكلاب “المرتزقة” إلى أم جرهمان.!!
الحقيقة أن الكلاب “الضالة المرتزقة المريبة” لم تظهر فقط في أم جرهمان، بل ظهرت منذ بداية الحرب في شوارع الخرطوم، وبدأت تنهش في جسد الدولة والمواطنين، والمليشيات التي كانت تتحكم في العاصمة ، لم تقتلها أو حتى تنهرها، بل فتحت لها أبواب العاصمة تغتصبها وتشفشفها.!!
5
هب أن تلك الضالة المريبة تجمعت على تخوم أم جرهمان وطلبت فزعًا وهجمت عليها، ماذا ستفعل؟ إن أقصى ما يمكن أن تفعله “الضالة المريبة” أن “تهوهو” أو تعض الناس وتخيفهم لا أكثر، إذن قل لي يا صاحِ، تُرى ماذا كانت تفعل المليشيات طيلة عامين؟ لم تكن تنبح وتعض فقط، بل تقتل وتبيد المساليت غربًا وأهالي ود النورة وسطًا؟ ترى من الأكثر ضلالًا وريبة وإجرامًا … المليشيا أم كلاب أم جرهمان؟.
6
إلى هنا لا بد أن نسأل قائد ارتكاز أم جرهمان مُصدر القرار الفريد … ما شأن الأحزاب الضالة المريبة التي تنبح وطنها ليل نهار وتنهش لحمه؟ لماذا لا يطلب من قائد المليشيا وهم بقربه أن يأمرهم بالتوقف عن “الهوهوه والنبيح”؟. الحقيقة أن زعيم المليشيا يطربه نباحها ويساعده في إخفاء أصوات الضحايا المنتشرين في طول البلاد وعرضها؟!! وذلك هو السبب في أن أحزاب “النبيح الضالة المريبة” تلك لا تطالها غرامة أو عقاب، بل تحفز وتُدفع لها الملايين تعتاش منها حتى لا تعتاش على فتات الطرقات بحسب عطلتها.
7
عجبت لأمر المليشيا، تأمر بقتل كلاب أم جرهمان “الضالة المريبة”، وتستورد الآلاف من “الكلاب الضالة المريبة المرتزقة” لتقتل بها أهل أم درمان والفاشر وكردفان!!.
وربما لو امتدت يد العدالة فعلًا، لكانت أولى بضبط من يستورد “الكلاب الضالة المريبة” من وراء البحار ليفتكوا بالبشر والحجر، قبل أن تنشغل بمطاردة كلاب ام جرهمان التي لم يتجاوز ذنبها النباح و التسكع في الطرقات. لكن في زمنِ الحرب، يبدو أنَّ المقاييسَ انقلبت، فأصبحَ النباحُ جريمة، والقتلُ “عدالة ” يجد على من يصفق له ويبرره.