
في قلب منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، حيث تتقاطع المصالح وتتشابك الأزمات، برزت مصر كقوة إقليمية تمتلك من الحكمة والصبر الاستراتيجي ما يؤهلها لتجاوز التحديات وتحقيق الأهداف دون اللجوء إلى التصعيد أو الانفعال. وبينما تعثرت مشاريع مثل “الشرق الأوسط الجديد” و”القرن الأفريقي الكبير” في تحقيق غاياتها الاستعمارية الجديدة ، أثبتت مصر قدرتها على صياغة واقع جديد قائم على التوازن والاحترام المتبادل.
لم تكن هذه القدرة وليدة اللحظة، بل امتدادًا لتاريخ طويل من الإنجازات الدبلوماسية التي رسخت مكانة مصر كدولة ذات وزن دولي. ففي عام 1979، وقعت مصر اتفاقية كامب ديفيد، التي أنهت حالة الحرب مع إسرائيل وأعادت سيناء إلى السيادة المصرية، لتكون أول دولة عربية تحقق سلامًا مع ضمانات دولية واضحة. وفي عام 2001، وقعت مصر اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، التي فتحت آفاقًا اقتصادية واسعة مع الاتحاد الأوروبي، وأكدت التزام مصر بالانخراط في النظام الدولي وفق قواعد متوازنة.
وفي مواجهة أزمات مثل ازمة سد النهضة، استندت مصر إلى 13 اتفاقية دولية تحفظ حقوقها التاريخية في مياه النيل، أبرزها اتفاقية 1902 التي تلزم إثيوبيا بعدم إقامة منشآت تؤثر على تدفق المياه إلى مصر، واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن استخدامات الأنهار الدولية، التي تؤكد على مبدأ الاستخدام المنصف والإخطار المسبق. هذه الاتفاقيات شكلت أساسًا قانونيًا قويًا لموقف مصر، الذي اتسم بالصبر والتمسك بالحلول الدبلوماسية رغم التعنت الإثيوبي.
وعندما اشتعلت الملفات الإقليمية، من ليبيا إلى السودان، مرورًا بغزة، اختارت القيادة المصرية نهجًا قائمًا على التهدئة والحوار. وقد تجلّت عبقرية الدولة المصرية في إدارة هذه الملفات تحت قيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي جسّد مفهوم الصبر الاستراتيجي في أرقى صوره. فخامة الرئيس، بحكمته السياسية وبُعد نظره، قاد دفة الدولة في محيط إقليمي مضطرب، محافظًا على ثوابت الأمن القومي، ومُعليًا من شأن الحلول السياسية على حساب المغامرات العسكرية.
في الملف الليبي، دعم فخامته وحدة الدولة الليبية، ورفض التدخلات الخارجية التي تهدد استقرارها. وفي السودان، حافظت مصر على موقف متوازن، داعم للاستقرار، دون الانحياز لطرف على حساب آخر، مؤمنة بأن أمن السودان من أمن مصر. أما في غزة، فكان الصبر الاستراتيجي هو العنوان الأبرز. فبدلًا من الانخراط في ردود فعل عاطفية، قاد فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي جهودًا دبلوماسية مكثفة، انتهت باتفاق تاريخي توج في شرم الشيخ، بحضور قادة دوليين، أبرزهم رئيس الولايات المتحدة، الذي وصف مصر بأنها “قوة استقرار إقليمي” وزعيمها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه “قائد كبير”.
هذا الاتفاق لم يكن مجرد إنجاز دبلوماسي، بل إعلان صريح عن عودة مصر إلى دورها القيادي في المنطقة، كصانعة للسلام ومهندسة للتوازنات. لقد أثبتت أن الصبر الاستراتيجي ليس ضعفًا، بل قوة ناعمة قادرة على تحقيق المكاسب دون خسائر، وأن الحكمة في إدارة الأزمات هي السبيل الوحيد للانتصار الحقيقي.
وهكذا، تنتصر مصر للمرة الثانية تاريخيًا، ليس بالسلاح، بل بالعقل، وبالقدرة على قراءة اللحظة التاريخية، وتوظيف أدواتها بذكاء. لقد قدمت نموذجًا يُحتذى في كيفية تحقيق الأهداف الاستراتيجية بالصبر، وأكدت للعالم أن الدول الكبرى لا تُقاس فقط بما تملك، بل بما تصنع من فرص، وما تحققه من استقرار. وتبقى مصر، بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، عنوانًا للحكمة، ورمزًا للثبات، ونموذجًا يُحتذى في فن إدارة الأزمات وتحقيق الانتصارات دون ضجيج.
محمد الحاج
١٤ اكتوبر ٢٠٢٥م