السودان بين أنياب حروب الوكالة وتحولات الإقليم: قراءة في صراع النفوذ وتنفيذ مشاريع إعادة الهيكلة الجيوسياسية

في ظل التصاعد غير المسبوق للصراعات الإقليمية، يشهد الشرق الأوسط مرحلة مفصلية من إعادة التموضع الاستراتيجي، أبرز ملامحها الحرب المباشرة الجارية بين إيران وإسرائيل، والتي أعادت رسم معادلات الردع والتوازن في المنطقة. لقد تحوّلت هذه المواجهة من صراع ظلّي قائم بالوكالة إلى صدام مفتوح، يُستتبع بتداعيات تتجاوز حدودهما الجغرافية، لتنعكس على الأمن القومي العربي برمته، لا سيما في مناطق التماس الجيوسياسي كاليمن وسوريا ولبنان والعراق، وعلى امتداد البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وياتي في قلب هذه التحولات، يبرز مشروع “الشرق الأوسط الجديد” إلى جانب مفهوم “القرن الأفريقي الكبير”، كمحاولتين لإعادة هندسة المجال الجيوسياسي في المنطقة، بترتيبات تتوافق مع مصالح قوى خارجية كبرى. ويُعتبر السودان محورًا أساسيًا في هاتين الرؤيتين، نظرًا لموقعه الجيوستراتيجي على ساحل البحر الأحمر، وما يمتلكه من ثروات كامنة، وارتباطه العميق بالجوار العربي والإفريقي.
من هذا المنطلق، لم تكن الأزمات المتلاحقة في السودان بمعزل عن المشهد الإقليمي. بل على العكس، يجد السودان نفسه اليوم هدفًا مركزيًا لحروب الوكالة التي تُدار عبر أدوات متعددة: مليشيات وحركات مسلحة لاتمد للمشروع الداخلي بصلة غير أنها ادة للمخطط الخارجي، منظمات إغاثية ذات صبغة استخباراتية، وتدخلات دبلوماسية تحمل في ظاهرها الوساطة، وفي باطنها إعادة توزيع النفوذ. الحراك الإسرائيلي في إفريقيا، والدعم الغربي لبعض أطراف النزاع الداخلي، وتصاعد الدور العسكري لبعض القوى الإقليمية في البحر الأحمر، كلها مؤشرات على أن الصراع على السودان ليس صراعًا داخليًا بحتًا، بل حلقة من منظومة أوسع لتفكيك الخرائط القديمة ورسم أخرى بديلة.
إنّ خطورة ما يمر به السودان الان لا تكمن فقط في تعدد جبهات الصراع، بل في الترابط الوثيق بين مصيره الداخلي والسيناريوهات الإقليمية والدولية التي تُنسج من حوله. فنجاح القوى الكبري المتصارعة في تمرير مشاريع إعادة الهيكلة الجيوسياسية تحت شعارات الاستقرار والتنمية في المنطقة بالتاكيد سيفتح الباب أمام تسويات تفرض على حساب وحدة السودان وهويته. غير أن الوعي الوطني المتزايد، وتماسك قطاعات واسعة من المجتمع المدني حول القضية المركزية وهي وحدة السودان ارضاً و شعباً ودعم القوات المسلحة فى في الزود عن الوطن، شكلان عنصر مقاومة بالغ الأهمية في وجه هذا الانجراف المحتمل.
٢٣ يونيو ٢٠٢٥م