1
(في انتظار غودو)؛ واحدة من أبرز مسرحيات الكاتب الإيرلندي صمويل بيكيت.. تدور أحداث المسرحية حول رجلين يدعيان «فلاديمير» «واستراغون»؛ ينتظران شخصًا يدعى «غودو» لا يصل أبداً.. يعتبرها النقاد النموذج الأمثل لمسرح العبث.. الآن ينتظر الجميع ما يجري في الثلاثين من يونيو.. وهو بخلاف غودو سيأتي، إلا أنك يمكن أن تصف ما سيحدث فيه بالانتماء لمسرح العبث السياسي.. كما سنرى.
2
هب أنه في ذلك اليوم دخلت جحافل غاضبون وطلائع قوات (ملوك الاشتباك) و(كتائب حنين) القصر الجمهوري والقيادة العامة (كل القوة في القصر جوة) وركض الجيش يجرجر رجليه إلى الثكنات بحسب الشعار الشهير (الجيش للثكنات والمليشيات تنحل).. ثم انسحبت لتحتل القيادة العامة وتترك القصر للأحزاب السياسية، وهكذا تصبح البلد بين أيدي القوى الثورية بزعمها.. فما هي السيناريوهات المتوقعة؟
3
مساء الثلاثين من يونيو داخل القصر، حيث سيكون مقر الحزب الشيوعي والحرية والتغيير (4 طويلة)، في ذلك المساء سيعلن الحزب الشيوعي أنه لن يقبل بـ(4طويلة) لأنها تُداهن العسكر وتسعى للصعود لكراسي السلطة على أكتاف الثوار الذين هزموا الجيش والحركات المسلحة والدعم السريع في معارك شروني التاريخية، (4 طويلة) لم تكن هناك بل كانت تفاوض العسكر سراً وجهراً ولذلك لابد أن تسقط معهم (بس).
سيعلن الحزب أنه لا مجال لقوى الهبوط الناعم في التغيير الثوري الجذري إذ أنهم أخطر على الثورة من الفلول بحسب كمال كرار.. فهؤلاء عند الحزب الشيوعي ارتكبوا ثلاث موبقات (كفر صراح) أولها أنهم فاوضوا العسكر وهم شركاؤهم بالأمس القريب حتى لحظة السقوط (30 يونيو 2022)، وهذا خذلان واضح للاءات الشارع، والسبب الثاني أنهم حين حكموا فسدوا وتجاهلوا القصاص للشهداء، بل تركوا جثثهم تتعفن في المشارح ولم يتكفلوا بدفنها حتى.
الثالث أن جماعة الهبوط الناعم ماهم إلا ربائب الاستعمار وأدوات في يد الإمبريالية العالمية وممثليها الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وقد استجابوا لكل شروطهما مما أفقر الشعب السوداني وزاده رهقاً.. هؤلاء لا مجال لهم في عهد الثورة الجذرية الجديد الذي تشكل في صباح ومساء الثلاثين من يونيو من عام 2022!!
(4 طويلة) لسانها طويل في كل شيء وأي شخص أو حزب إلا الحزب الشيوعي الذي يستهزئ بها ويسخر منها ويتهمها بأقذع التهم الثورية، فلا تفعل شيئاً سوى طأطأة الرؤوس، ولا تستطيع الرد عليه بكلمة.. (عفيت من كمال كرار وكبلو) ويلوذون بالصمت الرهيب، فالحزب يبدو “ماسك عليهم ذلة”. ياترى هل يستمر هذا بعد سقوط العسكر أم سيستأسدون على الحزب الشيوعي وهم تحت حماية المجتمع الدولي، أم تستمر حالة الصمت؟
4
أعلاه ما يجري على شاشة القصر أما القيادة العامة التي بحسب هذا السيناريو ستكون قد احتلت بواسطة لجان المقاومة وجماعة غاضبون وملوك الاشتباك وحنين، المشكلة هنا أن لجان المقاومة نفسها منقسمة بين (4 طويلة) والحزب الشيوعي وأخرى مستقلة، وفي القيادة حيث لا تفاوض ولا مساومة الطريق الوحيد لحسم الخلافات هو السلاح ولا شيء غيره.. لا يعرف أحد كيف سيحسم الخلاف وقتها.. على العموم الحزب الشيوعي تحسب باكراً للأمر وتحالف مع حلفاء بأيديهم سلاح، أما (4 طويلة) فما عندها حديدة، ولا تملك حتى خناجر، فقط حناجرها القوية سنينة في الهتاف.. ولكنها قد لا تسعفهم وقتها وما مذبحة بيت الضيافة ببعيدة.. (4 طويلة) المتغطية بالمجتمع الدولي ستجد نفسها عارية (كما قال الزعيم مناوي)، إذ سرعان ما سيطير فولكر على أول طائرة مغادرة؛ ومشاهد مطار كابول لا تُنسى.
هذا سيناريو متشائم يا أخي بل هذا ما يتمناه الفلول وجماعة عسكوري وأردول..
معليش إذن.. دعوني أعرض عليكم سيناريو آخر.
5
لنقل إنه بعد سقوط حكم العسكر نسخة تحالف برهان/ حميدتي اتفقت كل القوى الثورية الديمقراطية البعثية والناصرية والشيوعية، وبالطبع هؤلاء كلهم ديمقراطيون ونماذجهم الباهرة في الحكم الديمقراطي الرشيد مبذولة لمن يحب في النت، من لدن ستالين حتى حزب خالي السنهوري مروراً بناصر، هب أن هؤلاء الديمقراطيون الثوريون الجدد قد اتفقوا جميعاً على استلام السلطة واقتسامها بالعدل، فما هو البرنامج المتفق عليه بعد الاستلام؟.. هذه المرة ماينفعش “تسقط بس” فلقد خبرنا أمرها وذقنا مرها، هذه المرة الشعب بحاجة لبرنامج واضح.. ماهو؟ الحزب الشيوعي والقوى الثورية لها برنامج مختلف عن جماعة الهبوط الناعم، فهذه بحسب الشيوعي برنامجها مولود شرعي للرأسمالية المتوحشة، وقد طبقته بواسطة (المؤسس) الشيء الذى أحال حياة السودانيين إلى جحيم.. ترى كيف سيتم التوفيق بين رأسمالية متوحشة وبرنامج ينتمي للحقبة السوفيتية البائدة يتبناه الحزب الشيوعي؟
6
الآن بواسطة ملوك الاشتباك وغاضبون وبعض فلول وأشاوس كتائب حنين تمت السيطرة على الجيش؛ الذي انسحب إلى الثكنات ينتظر مصيره (يستاهل).. فماذا عن الجيوش والمليشيات المنتشرة في أرجاء البلاد وفي عاصمتها، كيف سيجري التعامل معها؟ ستُدمج داخل إطار الجيش الذي سيجري تفكيكه وتصفيته وتصفية مؤسساته من كل الكيزان والفلول والعناصر الرخوة!!
فكرة جيدة.. ولكن هل للقوى التي استلمت السلطة خطة أو أدنى فكرة عن كيفية دمج الجيوش وإعادة هيكلتها؟ أم أنهم سينتظرون تسقط تاااني وبعدين يحلها مؤسس آخر يجيء في آخر زمان الثورة من حيث لا حيث؟
7
وسط هذا التباين بين القوى الثورية الجذرية التي احتلت القصر والقيادة، من المرجح إذا لم تندلع حرب_ لا سمح الله_ أن تنشأ حكومتان، الأولى برئاسة الدقير تحت حماية فولكر والترويكا ورعايتها، والثانية تحت قيادة الخطيب، تعتاش على هتافات شارع شروني التي تسمع بوضوح في القصر، إذ أنها على نفس الشارع جنوباً. يعني ذلك أن السياسات الخارجية للحكومتين ستكون متباينة فإحداهما غربية والأخرى لا شرقية ولا غربية ولا إسلامية ولا أى شيء، فقط هي ثورية.. لا تسألني كيف وماذا تعني!!.
8
بناءً على السيناريوهات أعلاه لا تحلموا بعالم سعيد إذا سقط العسكر في الثلاثين من يونيو المقبل على يد القوى الثورية، والسبب أن تلك القوى تأسست على فكرة كراهية حكم العسكر وحب السلطة، وليس حب الشعب وانقاذه من براثن الفقر والمسغبة.. (إكرهوا حكم العسكر ولكن أحبوا شعبكم).. ذات الشعب الذي أخرجهم ثلاث مرات من حكم العسكر ولكن سرعان ما أعادوهم للسلطة بصراعاتهم العبثية والعقيمة.. والأعجب أنهم في كل مرة يلجأون لثكنات العسكر أنفسهم لينتزعوا لهم السلطة من أيدي عسكر آخرين ويسلموها لهم طائعين!!
لو أنهم كانوا يحبون شعبهم أكثر من الكراسي لتوقفوا وأخرجوا شعبهم ليس من نفق العسكر فحسب؛ ولكن من بؤسه وفقره وجهله.
لا أعرف كيف سيفعلون ذلك ولا كيف سيحكمون بدون برنامج سياسي ولا عسكري ولا اقتصادي ولا سياسة داخلية أو خارجية.. عرف الناس في ثورة 2019 تعبير (السواقة بالخلا) وفشلت، والآن جاء زمان السواقة بالخلا إلى المجهول، السواقة بالخلا أفضل، لأنها قد توصلك إلى مكان، أما السواقة بالمجهول للمجهول فقد تودي بك إلى سقر.. وما أدرك ما سقر!!