الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرأي

السفير د.إبراهيم عوض البارودي يكتب : دبلوماسية الإعمار 2

نماذج الدول التي خرجت من الحروب منهكة ومدمرة كثيرة في التاريخ القديم والحديث، وقد نهضت كثير من هذه الدول لترتقي مصاف أكثر دول العالم تقدمًا ونموا. إن الوقوف عند تجارب هذه الدول في النهوض من كبواتها يعد حافزا ودافعا لنا للتأسي بتجاربها والبناء على منوالها. ولعل العامل المشترك الأكثر شيوعا في هذه التجارب هو انفتاحها على العالم وتوسيعها لدائرة التجارة والاستثمار. فدولة مثل كوريا الجنوبية التي خرجت من حروب طاحنة مع اليابان في العام ١٩٤٥ وانفصالها عن كوريا الشمالية، لتجد نفسها في مطلع الستينيات من أفقر دول آسيا لجأت إلى تدريب ورفع قدرات المواطنين في الانتاج والتنمية ونفذت مشاريع لدول أخرى عبر عمالة كورية مؤهلة. كما فتحت أبوابها للاستثمارات الأجنبية في مجالات التقنيات الحديثة والتصنيع ، لتصبح سوقًا عالمية في هذا المضمار وتحقق طفرة تنموية كبرى.
إن مثال كوريا يعد من أبرز الأمثلة لدولة نامية خرجت في فترة زمنية وجيزة من براثن الحرب والدمار إلى عوالم النهضة الاقتصادية الشاملة.
النموذج الكوري قام على فلسفة الإعمار الذي يسير على قدمين، استنهاض القدرات الداخلية واستدعاء الشراكات الأجنبية وهي الوصفة السحرية التي بغيرها لا تنهض الأمم. فالشعوب الطموحة التي يقودها توجه واضح المعالم و منهج مدروس وخطة محكمة وأولويات محددة وبرنامج عملي قائم على مشروعات مفصلة، هي التي تقود إلى إقناع شركاء الخارج للدخول في تنفيذ وتمويل مشاريع الإعمار والتنمية.
وقد لا نشتط إن قلنا أن السودان اليوم بالرغم من ما لحق به من دمار وخراب في وضع أفضل من دول كثيرة خرجت من أزمات مماثلة ومن ضمنها كوريا الجنوبية نفسها. فكوريا واليابان وسنغافورة وغيرها من الدول التي بدأت نهضتها بعد أزمات طاحنة لم يكن بها ثروات من ذهب وماء عذب وأراضي خصبة شاسعة ولا نفط ولا ثروات حيوانية ومعدنية، فكل هذا يملكه السودان الآن ولا ينطلق من العدم ولا يبدأ من الصفر. فإن تكاملت الجهود وحشدت الموارد وأعدت الخطط والبرامج، سيشهد السودان إقبالا عالميا غير مسبوق من قبل الشركات ورؤوس الأموال العالمية. فمن غير السودان الآن يريد بناء الطرق والمواني والجسور والمطارات والطرق ومشاريع الزراعة والصناعة وهو لا يتسول العالم بل يلوح له بالذهب والنفط والغذاء والشراكات الذكية التي تبحث عنها دول كبرى ودول غنية لا تملك معشار ما يملك السودان من موارد.
نحن يا سادتي لا نحتاج دعما ولا هبات بل نحتاج تجارة وشراكات كما قال زعماء الدول الأفريقية للدول الغنية عند تأسيس منظمة ال GATT، نريد تجارة وليس عونا.
‏ (We need trade, not aide)

______

د. إبراهيم عوض البارودي

سفير جمهورية السودان لدي جمهورية النيجر

اترك رد

error: Content is protected !!