البيانات… عندما تبدأ التفاصيل في الكلام

في حياتنا اليومية، نترك خلفنا آثارا صغيرة لا نلتفت إليها كثيرا. ,“ضغطة زر، رسالة قصيرة، موقع نمر به، صورة نلتقطها، أو حتى مدة توقفنا أمام شاشة”. هذه التفاصيل البسيطة تتحول إلى شيء أكبر بكثير مما نتصور، تتحول إلى بيانات.
البيانات في معناها البسيط هي تسجيل للواقع، ليست أرقاما باردة كما قد يبدو، بل انعكاس لسلوك الإنسان، واهتماماته، وخياراته، وتحركاته.
في الماضي، كانت البيانات محدودة ومبعثرة، تسجل في دفاتر أو أرشيفات ورقية، وتستخدم لأغراض إحصائية محدودة. أما اليوم، فقد أصبحت البيانات جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ومع انتشار الإنترنت، والهواتف الذكية، والتطبيقات، بدأت البيانات تتدفق بلا توقف، كل تفاعل، مهما كان صغيرا، يترك أثرا رقميا. ومع الزمن، تراكمت هذه الآثار لتكون مخزونا هائلا من المعلومات عن الأفراد والمجتمعات وأنماط الحياة. لم تعد البيانات مجرد تسجيل لما حدث، بل أصبحت وسيلة للفهم، فعندما تحلل البيانات، تبدأ في سرد القصص، قصص عن العادات، والاتجاهات، والتغيرات، وحتى التوقعات.
هذا التحول الكبير غير نمط الحياة عند الافراد والمجتمعات وطرق اتخاذ القرار. إذ لم يعد الاعتماد على الحدس أو التجربة الشخصية، بل أصبح الرجوع إلى البيانات جزءا من الفهم والتخطيط. البيانات لا تعطي إجابة جاهزة، لكنها تضيء الطريق، وتوضح الصورة، وتقلل مساحة الخطأ.
ومع تطور أدوات التحليل، أصبحت البيانات أكثر قدرة على “الكلام”. لم تعد تعرض في جداول صامتة، بل في رسوم، ونماذج، وتوقعات، تجعلها أقرب إلى لغة يفهمها الجميع. وهنا بدأت البيانات تلعب دورا يتجاوز الوصف، لتشارك في توجيه القرار.
هذا الاتساع في دور البيانات يطرح سؤالا مهما:
من يملك البيانات؟ ومن يفسرها؟ وكيف تستخدم؟
فالبيانات في ذاتها محايدة، لكن طريقة جمعها، وتحليلها، وتوظيفها، هي ما يمنحها التأثير، ومع ازدياد الاعتماد عليها، أصبح الوعي بكيفية التعامل مع البيانات ضرورة. فليست كل قراءة صحيحة، ولا كل رقم يعكس الحقيقة كاملة.
اللافت أن البيانات، رغم ضخامتها، لا تكتمل دون الإنسان. فهي تحتاج إلى عقل يطرح السؤال الصحيح، ويضع السياق، ويفهم أن وراء كل رقم قصة، وخلف كل نمط سلوكا إنسانيا معقدا لا يمكن اختزاله بالكامل.
وهكذا، دخلنا زمنا جديدا، لم تعد فيه التفاصيل اليومية عابرة. كل حركة، وكل اختيار، يمكن أن يصبح جزءا من صورة أكبر. صورة تساعدنا على الفهم، إن أحسنا استخدامها، أو تربكنا إن تركناها تعمل دون وعي.
إن الرقمنة عبر الأزمنة لم تنقلنا فقط من الورق إلى الشاشة، بل من الملاحظة إلى القياس، ومن الانطباع إلى التحليل. وفي هذا العالم المليء بالبيانات، يبقى التحدي الحقيقي هو أن نجعل الأرقام في خدمة الإنسان، لا أن يتحول الإنسان إلى مجرد رقم.
في العمود القادم من آفاق رقمية، نقترب من الخوارزميات … عندما لا تكتفي البيانات بسرد القصة، بل تبدأ في اتخاذ القرار.
22 ديسمبر 2025م.




صدقت…البيانات ..من يمتلك البيانات ومن يستخدمها ومن يفسرها….الحرب القادمة حرب علي البيانات