
كثر الطرق الخفي والمعلن – والخفي اكثر وتفصيلاً – عن ضرورة التفاوض المباشر بين السودان والإمارات لوضع حد لبقايا الحرب في اطراف السودان وخاصة جولات اقليم دارفور المستهدف بالاجتزاء ..
هوة عميقة متسعة بين الخرطوم وأبوظبي، ودلائل واضحة ووثائق دامغة بالتآمر والدعم العسكري لمليشيا الجنجويد، إلا أن اللحظة الإقليمية تفرض على اللاعبين الكبار قراءة أخرى للمشهد.
فهل حانت ساعة التفاوض؟ وإن حدث، هل يقبل السودان طي الصفحة قبل أن يُقر المعتدي بجريمته؟..
في هذا المقال، احاول طرح رؤية تفاوضية مشروطة، يتصدرها مطلب لا مساومة فيه بعد الإعتراف ووقف الدعم وهو : التعويض العادل للشعب السوداني، دولةً وأفرادًا
رغم مرارة الحرب وآثارها الكارثية، فإن السياسة لا تعرف الأبواب المغلقة. ففي ظل المشهد الراهن بين السودان والإمارات — حيث تقف العلاقات على حافة القطيعة الكاملة — يبرز سؤال ملح: هل ما زالت هناك نافذة لتفاوض يُعيد التوازن ويحقق العدالة؟
وقائع على الطاولة
ضاق خناق الاتهامات السودانية علي عنق الإمارات بعد ان تجاوز كونها مجرد تكهنات إعلامية.
تقارير موثقة من مجلس الأمن الدولي ومنظمات حقوقية ومراكز استخباراتية دولية، إضافة إلى تحقيقات إعلامية رصينة، تؤكد ضلوع الإمارات في دعم مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) بالسلاح والعتاد والتمويل، فضلًا عن الدعم السياسي والإعلامي لها ولواجهاتها ..
وقد ذهب مجلس الأمن والدفاع السوداني حد اعتبار الإمارات دولة معتدية رسميًا — وهي سابقة في العلاقات بين البلدين.
في المقابل، تخوض الأذرع السياسية للإمارات والمليشيا ان كانت صمود بقيادة عبدالله حمدوك او تأسيس ( لحم الرأس ) جولة إعادة تموضع من أبوظبي إلى نيالا، وسط محاولات حثيثة لتشكيل حكومة موازية في الداخل، بدعم سياسي من الإمارات. وفي ظل هذا التعقيد، تتوالى الرسائل الإعلامية العدائية ، في حرب لم تعد تدار فقط بالبندقية، بل أيضًا بالميكروفون والمقال والصورة.
هل هناك فرصة للتفاوض؟
ربما ولكن بشروط:
- 1-الاعتراف بالواقع الجديد الذي فرضته القوات المسلحة بنجاح استراتيجيتها في رد العدوان وإلجام داعميه : السودان ليس هو السودان الضعيف الذي يمكن تهميش إرادته بعد اليوم.
- 2-وقف فوري ونهائي لكل أشكال الدعم للمليشيا.
- 3-استعداد مبدئي من الإمارات لمناقشة ملف التعويضات.
- 4-وجود ضامن إقليمي أو دولي يحظى بثقة الطرفين.
من هم اللاعبون القادرون على تسهيل التفاوض؟
- مصر
تمتلك القاهرة علاقات متوازنة مع كل من الخرطوم وأبوظبي، ومصالح استراتيجية في استقرار السودان.
دورها سيكون محوريا، خاصة إن ارتبط بمشروع تنمية إقليمي في وادي النيل.
- الاتحاد الأفريقي
كجهة جامعة يمكنها توفير منصة حوار أفريقية تتيح للسودان طرح مطالبه دون تدخلات فوقية كالتي كانت تلعبها حليفات الإمارات مثل كينيا ( روتو) ويوغندا وإثيوبيا الطامعة في الفشقة ،، وخاصة بعد انتهاء ولاية موسي فكي .
- الولايات المتحدة
رغم أن دورها متأرجح، إلا أن واشنطن تستطيع ممارسة ضغوط حاسمة على أبوظبي، لا سيما إذا طُرحت قضية التعويض من زاوية حقوق الإنسان والعدالة الإنسانية .
- السعودية
الرياض تتطور علاقاتها بالسودان علي الصعيد الاستراتيجي وعلي صعيد أمن البحر الأحمر ، ولا تريد لتصرفات أبوظبي أن تحدث مزيد من النزاعات في الإقليم المأزوم . قد تلعب دور الوسيط “الصامت” أو من وراء الستار.
قضية التعويض: حق لا تسوية بدونه
لا يمكن الحديث عن أي مفاوضات جادة دون الاعتراف بمطلب الشعب السوداني بالتعويض — ليس فقط على مستوى المنشآت المدمرة، بل على مستوى:
•ضحايا القتل الجماعي والانتهاكات
•الخسائر الاقتصادية الفادحة
•تهجير الملايين
• دمار المدن والبنية التحتية
قيمة هذه الخسائر لا يمكن أن تُحدد فقط بالأموال، بل بالرمزية السياسية والسيادية التي تنبع من اعتراف المعتدي بمسؤوليته.
أي عملية تفاوضية لا تضع هذا الملف على الطاولة ستكون بمثابة شراء صمت الضحايا، وهو ما لن يقبل به الشعب السوداني.
الخلاصة
فرص التفاوض بين السودان والإمارات قائمة، لكنها مرهونة بإرادة سياسية واضحة، وبدعم إقليمي ودولي يُدرك أن ما بعد الحرب ليس كما قبلها.
أما مطلب التعويض، فليس بندًا جانبيًا — بل هو العمود الفقري لأي مصالحة محتملة، لأن من دمر وطنًا لا يمكنه العودة إليه كفاعل خير دون دفع كلفة ما اقترفته يداه…
والي الملتقي ،،