الرواية الأولى

نروي لتعرف

آفاق رقمية / د. محمد عبدالرحيم يسن

الحكومة والمؤسسات: كيف نعيد بناء «الظهر الرقمي» للدولة؟(٥/٢)

د. محمد عبدالرحيم يسن





في مرحلة ما بعد الحرب، لا يمكن أن تعود الدولة لإنتاج أخطائها السابقة. البداية الحقيقية للإصلاح تمر عبر بناء مؤسسات حديثة ترتكز على الشفافية والفاعلية والكفاءة الرقمية، المؤسسات الحالية ينبغي مراجعتها وإعادة بنائها بما يخدم الأهداف العليا للدولة فلا مجال للمجاملة والعصبية المؤسساتية الضارة، فالتحول الرقمي ليس خيارا تقنيا بل مشروع وطني شامل لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة.
الواقع الحالي يوضح حجم التحدي. مؤسسات متداخلة الصلاحيات، قوانين قديمة، ضعف في الكفاءات، وغياب إطار متكامل للتحول الرقمي وحماية البيانات والخصوصية… وغيرهما هذه الصورة تعكس الحاجة الملحة لإطار وطني للتحول الرقمي يكون بمثابة «الظهر الرقمي» للدولة.
هذا الإطار ينبغي أن يستند إلى مرجعيات تشريعية واضحة تشمل إعادة النظر في القوانين الحالية، هنالك بعض القوانين الحالية تمنح سلطة الرقابة والتنفيذ معاَ لجهة واحدة مما يضعف عملية تنفيذ القانون، نحتاج كذلك سن قوانين جديدة مثل – قانون حماية البيانات والتوقيع الإلكتروني والمصادقة الرقمية- بالإضافة الى سياسات مشاركة البيانات بين المؤسسات، وحوكمة فعالة للأمن السيبراني. بالإضافة الى تحديث قوانين تنظيم تداول العملة الرقمية ضرورة لتأمين الاستثمار وتشجيع الابتكار في بيئة آمنة.
القوانين وحدها لا تكفي، فنجاح التحول يحتاج إلى أدوات تنفيذ عملية، من أبرزها هيئة أو سلطة رقمية مركزية ترتبط برئيس السلطة التنفيذية مباشرة لضمان التنسيق، وبنية تحتية رقمية متكاملة، وبرامج لتأهيل الموارد البشرية. ويبرز هنا دور القطاع الخاص كشريك أساسي، ويجب تمكينه عبر تبسيط الإجراءات ومنحه الحوافز للدخول في مشاريع التحول الرقمي.
ولإثبات الجدية، لا بد من البدء بمشاريع ذات أولوية تعكس أثر الإصلاح مباشرة على حياة المواطن، مثل تحديث السجل المدني وربطه بالمنصات الخدمية كلها، إطلاق بوابة موحدة للخدمات الحكومية كبداية رمزية وعملية لاستعادة الثقة.
إلى جانب ذلك، يجب وضع آليات للرقابة والمتابعة تشمل لجنة تشريعية مؤقتة لصياغة القوانين، وجهاز مستقل لمراجعة الأداء، مع مؤشرات واضحة لقياس التقدم.
ونحن نعيد بناء ما دمرته الحرب، يظل إصلاح المؤسسات الرقمية حجر الزاوية في استعادة الدولة لعافيتها، وفي استرجاع ثقة المواطن والمستثمر معا. إن إجازة الإطار العام للتحول الرقمي ليست خيارا ثانويا، بل هي الخطوة الحاسمة التي تمكن الدولة من بناء منظومة حديثة وفاعلة تقوم على الكفاءة والشفافية. قد تكون مهمة صعبة، لكنها الطريق الوحيد لعبور آمن نحو مستقبل أكثر ازدهارا واستقرارا، وبالسرعة المطلوبة.

تعليق واحد

  1. بروف عبدالرحيم…تم تحديد المشاكل بدقة عالية جدا ..وفي نفس الرواية وضعت منهجية متكاملة لحل جميع المشاكل بدقة وجودة عالية

اترك رد

error: Content is protected !!