الرواية الأولى

نروي لتعرف

هموم وقضايا / السفير د. معاوية التوم

الحرب والإرهاب: مقاربة مفاهيمية وقانونية وتحليل الآثار !؟

السفير د. معاوية التوم

مقدمة:

لطالما شكل العنف المنظم تحديًا للمجتمع الدولي، سواء في صورة الحروب التقليدية أو ظاهرة الإرهاب المستحدثة في العقود الأخيرة. والحروب العابرة للحدود . ورغم وجود تقاطعات بين الحرب والإرهاب في أدوات العنف والتأثيرات المدمرة، إلا أن الفارق بينهما من حيث المفهوم، الإطار القانوني، الشرعية، والأهداف يجعل من الضروري مقاربتهما تحليليًا لفهم طبيعة كل منهما، وآليات التعامل الدولي معهما. تأتي هذه الورقة لتقديم قراءة مقارنة بين الحرب والإرهاب، تستند إلى القانون الدولي، وتستعرض الفاعلين، الآثار، والسياسات المترتبة على كل منهما.


أولاً: الإطار المفاهيمي للحرب والإرهاب

  1. 1-الحرب: المفهوم والنطاق
    تُعرف الحرب وفق القانون الدولي الإنساني بأنها “نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر، أو بين أطراف مسلحة داخل الدولة الواحدة، يتميز باستخدام القوة المنظمة لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية” أو جماع هذه الأهداف. يشمل هذا التعريف الحروب الدولية والنزاعات المسلحة غير الدولية التي تحكمها اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية.
  2. 2-الإرهاب: المفهوم والسمات
    أما الإرهاب، فلا يوجد تعريف موحد دوليًا له بسبب تباين المقاربات السياسية، لكنه يُشار إليه عمومًا بأنه “أعمال عنف متعمدة تستهدف المدنيين أو الأهداف غير العسكرية او العسكرية لإثارة الخوف، بغرض تحقيق أهداف سياسية أو أيديولوجية”. وقد عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإرهاب في قرارها 49/60 بأنه: “الأعمال الإجرامية المصممة لإثارة حالة من الرعب لدى الجمهور العام أو مجموعة من الأشخاص أو أفراد لأغراض سياسية”.
    ثانيًا: المقارنة بين الحرب والإرهاب
  3. 3-الإطار القانوني
    • الحرب تخضع لقواعد واضحة في القانون الدولي مثل اتفاقيات جنيف، التي تنظم كيفية إدارة النزاع وقواعد الاشتباك وحماية المدنيين والأسرى، وتحدد ما يُعتبر “أعمالًا عدائية مشروعة” وما يُعتبر “جرائم حرب”.
    • الإرهاب يُجرَّم دوليًا بشكل مطلق من خلال اتفاقيات مكافحة الإرهاب وقرارات مجلس الأمن مثل القرار 1373 (2001) الذي يفرض على الدول اتخاذ تدابير صارمة ضد الجماعات الإرهابية. ويجد التعاون الدولي وقيادة الدول الكبرى لمقاتلة بؤره وحواضنه.
  4. 4-الفاعلون الأساسيون
    الفئة الحرب الإرهاب
    الفاعلون دول، حكومات، جيوش نظامية، أو حركات مسلحة جماعات غير حكومية، أفراد، خلايا سرية
    الشرعية قد يتمتع الطرف المهاجم بشرعية الدفاع عن النفس يفتقر إلى أي شرعية دولية
    ثالثًا: السياسات الدولية في مواجهة الحرب والإرهاب
  5. 5-مواجهة الحرب
    تعتمد على الوساطة الدولية، فرض العقوبات، أو التدخل العسكري الجماعي وفق الفصل السابع وربما السادس بتدابير إضافية وفقا ميثاق الأمم المتحدة وما تقتضيه الحالة.
  6. 6-مكافحة الإرهاب
    تستند إلى التعاون الأمني الدولي، تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، ومنصات انطلاقه مع إجراءات وقائية لتعزيز الأمن الداخلي.
  7. رابعًا: إشكالية التداخل بين الحرب والإرهاب
  8. شهدت السنوات الأخيرة حالات تداخل معقدة بين الحرب والإرهاب، خاصة مع صعود الفاعلين غير الدولتيين مثل “داعش” و”القاعدة” وتنظيمات تحررية اخرى جرى وصمها بالارهاب والذين خاضوا حروبًا غير تقليدية وجنحوا إلى استخدام أساليب إرهابية. وهذا يطرح تحديًا أمام القانون الدولي لتمييز النزاع المسلح عن الجريمة الإرهابية.

  9. إشكالية قائمة:
  10. لا يزال الجدل مستمرًا حول التداخل والمزج بين مفهومي الحرب والإرهاب، حيث يصعب في بعض النماذج الماثلة على الساحة الدولية والإقليمية والقوانين الوطنية رسم حدود فاصلة بينهما. ففي حالات عديدة، تتبنى أطراف النزاع تكتيكات إرهابية ضمن حروب تقليدية، بينما تتحول جماعات إرهابية إلى أطراف فاعلة في حروب أهلية أو إقليمية. هذا الخيط الرفيع بين الحرب كفعل منظم يخضع لقوانين النزاعات المسلحة، والإرهاب كعمل عنيف يستهدف المدنيين لبث الرعب، يظهر بوضوح في نماذج مثل الصراع في اليمن، وليبيا، والنزاع في فلسطين وحتى السودان، حيث تختلط العمليات العسكرية بممارسات تستهدف زعزعة الاستقرار وإرهاب المجتمعات.

الخاتمة


رغم اشتراك الحرب والإرهاب في عنفهما وتداعياتهما المدمرة، إلا أن التمييز بينهما ضروري لفهم الطبيعة القانونية والسياسية لكل منهما. فالحرب قد تكون مشروعة دفاعًا عن النفس، بينما يظل الإرهاب غير مشروع دومًا لعدم احترامه القيم الإنسانية والقانونية. ويحتاج المجتمع الدولي إلى تعزيز أدوات القانون الدولي ومأسسة التعاون الأمني للحد من آثار الظاهرتين.

توصيات موجزة

1. توحيد تعريف الإرهاب دوليًا لتجنب التوظيف السياسي.
2. تعزيز تطبيق القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي في النزاعات المسلحة.
3. دعم برامج الوقاية المجتمعية لمكافحة جذور الإرهاب.
4. تطوير آليات استجابة سريعة للنزاعات لمنع تحولها إلى حروب مستدامة أو حواضن للإرهاب.

اترك رد

error: Content is protected !!