الحرب في السودان : تناقص الوساطات وتباين السرديات بين الاتحاد الإفريقي والرباعية وبولس!؟

المقدمة
منذ اندلاع الحرب المفروضة على البلاد في أبريل 2023، دخل السودان في دوامة من العنف والصراع الوجودي مع مليشيا قوات الدعم السريع المتمردة ورعاتها وداعميها الكثر . وقد أسفرت هذه الحرب عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى، والمفقودين، وأدت إلى نزوح وهجرة ولجوء الملايين، وجذبت اهتمامًا اقليميا ودوليًا واسعًا، مع تزايد جهود الوساطة من قبل جهات متعددة. ومع ذلك، فإن هذه الوساطات لم تثمر عن توافق او الخروج بنتائج ملموسة حتى الآن، لما تحمله من تباين وتناقضات في اجندتها ومخططاتها مما يثير تساؤلات حول فعالية هذه الجهود وتباين السرديات بين الأطراف المختلفة وعدم أخذهم بالمشاغل السودانية والتطورات على المشهد الداخلي وفقدانها للحيادية.هذه الارادات المتقاطعة الي جانب جهود المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة رمضان العمامرة، تريد ان أن تديم أمد الحرب وتجعل السودان رهين لتناقض هذه الوساطات وخياراتها ، وتضييق الفرصه أمامه للمسار الوطني المستقل .
الوضع الراهن للحرب وأثرها على السودان
الحرب في السودان تسببت في تدمير واسع للبنية التحتية، وزيادة معدلات الفقر، وتفاقم الأزمات الإنسانية. المدن الكبرى مثل الخرطوم ودارفور تعرضت لدمار شامل وإفقار كامل ، مما جعل الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والمياه النظيفة والغذاء أمرًا بالغ الصعوبة. كما أن النزاع أدى إلى تفشي الأمراض والأوبئة، مثل الكوليرا و حمى الضنك وزيادة معدلات الجوع والفقر بين السكان وتداعي الحالة الإنسانية بسبب حصار التمرد لبعض المدن والانتهاكات الصارخة له تجاه المدنيي دون مساءلة او كفكفة.
الوساطات الدولية والإقليمية: التفاوت في الرؤية
الاتحاد الإفريقي
الاتحاد الإفريقي، من خلال آلياته المختلفة مثل الميثاق “اللجنة العليا للوساطة” و”لجنة الحكماء”، عمل على تقديم مبادرات تهدف إلى إيجاد تسوية سلمية للنزاع. ومع ذلك، فإن تأثيره كان محدودًا بسبب تباين مواقف الدول الأعضاء، وعدم وجود آلية تنفيذ فعالة، بالإضافة إلى تعليق عضوية السودان في الاتحاد بعد ما اسماه بالانقلاب العسكري في 2021، وما تزال معلقة حتى عقب تعيين حكومة مدنية، مما أثر سلبًا على مصداقية الاتحاد في الوساطة والمفارقة بين الميثاق والبراغماتية السياسية في تعامله ازاء التمرد رغم رفضه الاعتراف بحكومته الموازية .
الرباعية الدولية
تشكلت الرباعية الدولية، التي تضم الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، السعودية، والإمارات، بهدف تقديم دعم سياسي ومالي للانتقال الديمقراطي في السودان. ومع تصاعد النزاع، تدخلت الرباعية بشكل أكثر نشاطًا، وتغولا واضحا، حيث دعت إلى وقف إطلاق النار، وأعلنت عن خارطة طريق من واشنطون في ١٢ سبتمبر الجاري تشمل هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة، ثم عملية انتقالية مدتها تسعة أشهر تهدف إلى تشكيل حكومة مدنية. الأمر الذي اعتبره السودان تجاوزا للخطوط الحمراء ووصاية على سيادته ووحدته الترابية، في ظل استمرار التمرد في قصفه وهجومه على المدنيين وحصاره للمدن وممارسة الانتهاكات الصارخة المتجاوزة للقانونين الدولي الإنساني والجنائي .
ومع ذلك، فإن هذه المبادرة تظل معيبة و قوبلت بانتقادات من قبل بعض الحكومة والأطراف السودانية، التي اعتبرت أن الرباعية تسعى لفرض حلول خارجية دون مراعاة للواقع السوداني وخياراته ، مما أدى إلى تراجع الثقة في هذه الوساطة.
دور بولس في الوساطة
بولس، المستشار الأمريكي، يسعى ان يلعب دورًا محوريًا في التنسيق بين الأمم المتحدة والأطراف السودانية. والوساطات الأخرى ومع ذلك، فإن دوره قوبل بانتقادات من قبل بعض الجهات السودانية، التي اعتبرت أن بولس يتبنى سردية الرباعية بشكل غير مهني ولا نقدي، مما أثر على حياديته وفعاليته في الوساطة.وتباين هذه السرديات الثلاثة اضافة الي تصادمها مع الجهود السابقة ومحاولة احتكارها الحلول وتوجيهها للخلاصات.
التناقضات في السرديات وأثرها على الوساطة
تظهر التناقضات بين سرديات الاتحاد الإفريقي، الرباعية، وبولس في عدة جوانب:
•المرونة مقابل الفرضية: الاتحاد الإفريقي كواجهة قارية يتبنى مقاربة مرنة تستند إلى الحوار والمصالحة، بينما تسعى الرباعية لفرض حلول محددة دون مراعاة للواقع السوداني ترجح كفة التمرد بحكم امتلاكها للمال والنفوذ السياسي وبعضها يرعى التمرد ويدعمه .
•السيادة الوطنية مقابل التدخل الخارجي: الاتحاد الإفريقي يركز على احترام سيادة السودان، بينما يرى البعض أن تدخل الرباعية قد يتجاوز حدود السيادة الوطنية، وهذا ما لا يقبله السودان حكومة وشعبا .
. الاستقلالية مقابل التبعية: بعض الجهات السودانية ترى أن دور بولس يعكس تبعية للأجندات الدولية، مما يقلل من مصداقيته كوسيط محايد ويضعف من فرص نجاحه.
الانعكاسات المحتملة على السودان والمنطقة
استمرار التباين في السرديات والوساطات المتعددة اربك ساحة الحلول وقد يؤدي إلى:
•إطالة أمد النزاع: غياب توافق بين الأطراف الوسيطة قد يزيد من تعقيد الأزمة ويجهز على جهود السلام وفرصه.
•تفاقم الأزمات الإنسانية: استمرار الحرب يؤدي إلى زيادة معاناة المدنيين، وتفاقم الأزمات الإنسانية، الأمر الذي لم تأخذ به هذه الأطراف .
. زعزعة الاستقرار الإقليمي: النزاع في السودان يؤثر على استقرار دول الجوار، والاقليم ويزيد من تدفق اللاجئين، ويزيد من نشاط الجماعات المسلحة، الي جانب الفلتان الامني والتداعيات الأخرى غير المنظورة.
خاتمة وتوصيات تحليلية
لتحقيق تسوية سلمية للحرب الممتدة في السودان، باجندتها وسقوفها يجب:
•توحيد الجهود الدولية والإقليمية: ضرورة تنسيق الجهود بين الاتحاد الإفريقي، الأمم المتحدة، والرباعية لتقديم خطة شاملة ومتكاملة، تتسق مع الرؤية الوطنية والشرعية القائمة لا السعي للانتقاص منها.
•احترام السيادة الوطنية: يجب أن تكون الوساطات قائمة على احترام سيادة السودان، ووحدة ترابه وتطلعات شعبه ومراعاة خصوصياته الثقافية والسياسية.
•تعزيز دور المجتمع المدني: إشراك المجتمع المدني السوداني والرؤى الداخلية في عملية الوساطة لضمان شمولية الحلول وملاءمتها للواقع المحلي وتقديم الخيارات الوطنية على أية مشروعات خارجية.
. ضمان آلية تنفيذ فعالة: ضرورة وجود آلية تنفيذ قوية تضمن تنفيذ الاتفاقات المبرمة، وتراقب سير العملية الانتقالية وتضع ميثاق الامم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومبادئها في محلها.
لا يمكن لاي مبادرة خارجية النجاح بمفردها دون تعاون حكومة السودان ، ولن يتأتى ذلك ما لم تتجاوز هذه الوساطات التباين في السرديات بين الاتحاد الإفريقي، الرباعية، وبولس، وذلك يتطلب تنسيق و إرادة سياسية قوية، وتعاونًا وطنيا مخلص مع الحكومة الشرعية القائمة، وحياد دولي وإقليمي حقيقي، يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في السودان، بما يضمن حقوق أمته ومصالحها لا استدامة الحرب، ويحقق تطلعات الشعب السوداني في بناء دولة ديمقراطية آمنة و ومستقرة وفق ارادته وخيارات شعبه.