من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

الجيل الثالث من أنواع الأسلحة الكيميائية الفتاكة لتدمير الشعوب ( الآيس و الكوكايين و الكبتاجون)


يصعب وصف ما يدور بين أوساط الشباب من مختلف فئاتهم العمرية، فهنالك دراسات وإحصائيات من قبل مراكز بحثية متخصصة في مجال الإدمان رصدت تحولاً كبيراً داخل المجتمع السوداني ما بين العام ٢٠١١ إلى ٢٠٢١، وكانت النتائج كارثية بحيث وُجد أن حوالي ٤ من كل ١٠ يتعاطون مخدر (الآيس والكوكايين). وبما أنني أنتمي عمرياً لفئة الشباب، فسوف أتناول في سردي جميع الجوانب والإشكالات المرتبطة بانغماس الكثير من الشباب في إدمان المخدرات، مع تناول الجوانب التي أسهمت في انتشار هذه الظاهرة السلبية، والتي كانت سبباً وراء ظهور نمطية جديدة بين مجتمعات الشباب السوداني أدت إلى انحرافه وجرّه إلى مهالك أحدثت خللاً اجتماعياً كبيراً في أوساطه، وتسببت في ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية والأخلاقية مثل فقدان الثقة بالنفس، السرقات بأنواعها، الاعتداءات الجنسية المختلفة، وصولاً إلى القتل في بعض الأحيان.

إن تناولنا لظاهرة الإدمان على المخدرات الكيميائية مثل الآيس والكوكايين وأنواع مختلفة من المنشطات الأخرى يأتي من أجل رفع درجة الوعي لدى الأسر في كيفية التعامل مع هذه الظاهرة، وكذلك توجهنا برسالة إلى الجهات المختصة والمعنية بالدولة لاتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة بحيث يتم التعامل معها بحزم للتقليل من انتشارها في أوساط الشباب بالذات، فالشباب هم كل المستقبل بالنسبة لأي دولة تصبو إلى التقدم.

كثير هو المسكوت عنه في مجتمعاتنا السودانية، وخصوصاً بين أوساط الشباب. فهنالك ما يرتبط علاجه بالدولة، وآخر يمكن أن يتم علاجه مجتمعياً بصور مختلفة. ومن هذا المنطلق، سأتناول الجوانب التي تختص الدولة بعلاجها، وذلك بالغوص في التفاصيل المتعلقة بتجارة المخدرات بشقها الكيميائي، والذي يحتاج وبصورة عاجلة إلى التدخل المباشر من قبل الدولة.

بالتأكيد سبقني في الحديث عن الإدمان الكثير من المختصين والباحثين وحتى كُتاب الرأي، ولكن هنا سوف نتناول ظاهرة التجارة وليس الإدمان على الآيس والكوكايين من زاوية أخرى. وذلك بتبيين الحقائق بصورة جلية للتوصل إلى حلول ناجعة من قبل الدولة لهذه الظاهرة المدمرة للبلاد والعباد، والتي أسهمت في إنتاج جيل كامل مشوه غير قادر على مواجهة التحديات بسبب تعرضه إلى هجوم كاسح أدى إلى انهيار الوعي لديه لعدة أسباب، أهمها الانتشار الواسع للمخدرات الكيميائية في أوساطه وبين مختلف فئاته.

سوف نتناول شقين مهمين وهما طرق الاستيراد وطرق التوزيع. فالمتعاطي (المدمن) قد قامت بعض الجهات المختصة بدراسته، أما التجار وشبكات التوزيع فما زالت تنشط من قبل أجانب وسودانيين. ولكن قبل التطرق إلى الخوض في التفاصيل الدقيقة، من المهم أن نلقي بعض الضوء على الأسباب التي ساعدت في انتشار هذه السموم، والتي يجب على الدولة والمجتمع أن يعملا سوياً لإيجاد الحلول لها، ومن ثم تحقيق المرام وهو تخليص الشباب من هذه السموم وإلى الأبد بتدخل الدولة في هذا الشأن.

قد تلخصت وتمحورت الأسباب حول الآتي:

١- ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب.
٢- فشل الدولة في توفير برامج توعوية للشباب.
٣- ضعف الرقابة الأسرية.
٤- ضعف الرقابة على الحدود من قبل الدولة.
٥- التواجد الأجنبي الكثيف وغير المنضبط من جنسيات معينة.
٦- الفساد من قبل عناصر لصيقة بمتنفذين في الدولة.
٧- غياب القوانين الرادعة من قبل الدولة لتجار المخدرات الأجانب بالذات.
هنالك أسباب أخرى، ولكن تعتبر هذه أهم الأسباب التي يمكن أن تقود إلى تلافي الكارثة التي وقع فيها الشباب السوداني.

تنقسم تجارة المخدرات حدودياً إلى شقين هما:

  • شبكات التهريب من الخارج (صناعة وتوصيل البضائع إلى الحدود).
  • شبكات التهريب الداخلي (الاستلام والتوصيل إلى التجار الرئيسيين).
  • شبكات التوزيع في العواصم المختلفة داخل السودان.

من خلال الاستقصاء وجمع المعلومات حول تجارة الآيس والكوكايين والحبوب المنشطة، نجد أنه قد تشكلت شبكات مختلفة من مزدوجي الجنسية وسودانيين وأجانب، وهي نشطة حالياً وتعمل في ترويج وتوزيع هذه السموم المخدرة داخل وخارج السودان. يُعتبر السودان حالياً معبراً لهذه السموم التي تأتي من خارج الحدود السودانية وبكميات كبيرة، خصوصاً بعد اشتعال الحرب.

التهريب من الخارج (صناعة وتوصيل البضائع إلى الحدود):

يتم تهريب المخدرات إلى السودان عبر عدة طرق، سواء براً أو بحراً أو جواً. قبل الحرب، كانت تتم عمليات التهريب عبر الحدود البرية المشتركة مع دول الجوار، وكذلك عبر شحنات بحرية كما هو الحال في مختلف البلدان في العالم. ولكن ما يجعل هناك اختلافاً في عملية التهريب في السودان هو أن للسودان حدوداً برية مفتوحة يصعب السيطرة عليها من قبل الدولة وحدها. وهذا يجعل مكافحة تهريب هذه المخدرات من أصعب المهام على الدولة السودانية. ومع ذلك، إذا استطاعت الدولة محاصرة تجار المخدرات في السودان، فسوف يؤدي ذلك إلى تقليل الكميات وبالتالي خفض نسبة المدمنين في السودان.

أبرز الدول التي يتم تهريب المواد المخدرة منها إلى السودان براً:

  1. إثيوبيا (الآيس – كوكايين – دولة مصنّعة)
  2. تشاد (آيس – كوكايين – كبتاجون – دولة عبور)
  3. أفريقيا الوسطى (آيس – كوكايين – كبتاجون – دولة عبور)
  4. جنوب السودان (آيس – دولة عبور)

أبرز الدول التي يتم استيراد المواد المخدرة منها إلى السودان بحراً:

  1. الإمارات (آيس – كبتاجون – دولة معبر)
  2. سوريا (مواد أولية للآيس – كبتاجون – دولة تصنيع)
  3. لبنان (كبتاجون – دولة معبر)
  4. اليمن (كبتاجون – دولة معبر)

أقوى الشبكات التي تتاجر في المواد المخدرة (آيس – كوكايين) في السودان حالياً (الاستلام والتوصيل إلى التجار الرئيسيين):

  1. الإثيوبيون (من الجنسين – آيس – كوكايين)
  2. مليشيات الدعم السريع (آيس – كوكايين – كبتاجون)

أكثر المناطق التي يتم من خلالها تهريب شحنات المخدرات حالياً في السودان (آيس – كوكايين):

  1. منطقة القضارف (نشطة حالياً)
  2. منطقة كسلا (نشطة حالياً)
  3. منطقة البطانة (غير نشطة بسبب الحرب)
  4. منطقة البحر الأحمر (نشطة حالياً وهي معبر إلى مصر عن طريق مهربي البشر وشبكات إثيوبية)
  5. منطقة نيالا (غير نشطة حالياً بسبب الحرب)
  6. مطار الخرطوم (غير نشط حالياً بسبب الحرب)

شبكات التوزيع داخل المدن (في العواصم المختلفة داخل السودان):

  1. الإثيوبيون (من الجنسين – آيس – كوكايين)
  2. أفراد نافذون في مليشيات الدعم السريع (آيس – كبتاجون)
  3. شباب من الجنسين سودانيون، متعاطون أو مهربون، مرتبطون بشبكات التوزيع الإثيوبية.

ختاماً:
إن موضوع تجارة المخدرات الكيميائية حالياً في السودان قد توسع مؤخراً بصورة مخيفة يصعب وصفها. وقد أصبح متشعباً ووصل إلى مراحل متقدمة جداً، حيث أصبح المهربون والتجار، سواء سودانيين أو أجانب، غير مكترثين بالقانون. يعود ذلك إلى الكم الهائل من الفساد الذي يصاحب عملية التهريب، ودفع هؤلاء المهربين مبالغ طائلة لمن يخدمهم من المواطنين، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي ما زالت تعصف بالبلاد، وكذلك التواجد الأجنبي الكثيف من الجنسيات المذكورة.

لذلك، لابد من اتخاذ خطوات جادة تهدف إلى تحقيق تقدم في هذا الملف وبصورة عاجلة من قبل الجهات المختصة. فحتى مع وجود الحرب الدائرة، تتوسع هذه التجارة وتؤثر على كثير من الشباب السوداني. وبالتالي، يمكن أن نصل إلى مراحل لا تُحمد عقباها إذا استمر تجاهل هذا الملف من قبل الدولة.

علماً بأن هناك رصداً لاستهلاك مادة الآيس منذ ما قبل قيام ثورة ديسمبر ٢٠١٩م. فمن خلال الرصد، وُجد أن هناك جهات غير معلومة كانت تعمل على توزيع مخدر الآيس إلى المتظاهرين في الشوارع دون حسيب أو رقيب، وذلك حسب رواية شهود عيان كانوا مشاركين في هذه التظاهرات. كما أنه من خلال الرصد، وُجد أن الكميات التي تم تهريبها أثناء فترة الحرب من وإلى السودان كانت كميات كبيرة كافية لتدمير آلاف من الشباب السوداني.

٣١ مارس ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!