1
(تأتي هذه الذكرى وجميع أبناء شعبنا متراصين كتفاً بكتف، ويداً بيد مع قواتهم المسلحة في تلاحم وطني مشهود، ومعاهدين الله والوطن وشعبه الكريم على الوقوف في وجه هذا العدوان والغزو الأجنبي الغاشم، الذي تقف من ورائه وتحركه دوائر دولية وإقليمية متربصة ومعروفة، تساندهم بكل أسف مجموعة سياسية مأجورة اختارت لنفسها أن تقف في مواجهة شعبنا الكريم، ولتتبوأ موقعها بين أشد صفحات كتاب تاريخنا الوطني قتامةً وبؤساً.)
من خطاب الرئيس البرهان في عيد الجيش أمس.
1
لماذا نحتفي اليوم بجيشنا؟ لأننا في السودان نهوى أوطاننا، ونحب جيشنا، فهو بعضٌ من تراب هذا الوطن، من لا يحب جيشه لا يحب وطنه، الذين يخونون أوطانهم لا يحبون جيوشها، ولذا تجدهم يدخلون لأوطانهم دائماً محمولون على ظهور أعدائها، كم من خائن ركب على صهوة حصان كتشنر وكم عميل عراقي دخل إلى بغداد على ظهر دبابة بريمر، كم كرزاي وصل كابول على متن الطائرات الأمريكية. الآن خونة كثر ينتظرون العودة للخرطوم على ظهر تاتشرات الجنجويد.. وهيهات.
2
سبعون عاماً والجيش يقاتل.. يقاتل المتمردين والانقلابيين والمتآمرين وأخيراً الغزاة. سبعون عاماً حاولوا أن يهزموه بشتى السبل فلم يفلحوا، ثم تآمروا على تفكيكه (الإصلاح والهيكلة) ثم أخيراً سعوا لتدميره من الداخل، فشنوا عليه حربهم القميئة الآن.
بالله كيف هي مشاعر أولئك الذين قاتلوا في أحراش الجنوب لتنام الخرطوم آمنةً مطمئنةً وهاهم يرون جيوش الغزاة المستعمرين محمولين على ظهور الناشطين والسفارات ليفككوا ذات الجيش الذي قاتلوا تحت راياته؟. كيف هي مشاعر الذين عطروا أرض هذا الوطن بدمائهم؛ ليجيء آخر الزمن القميء هكس باشا وكتشنر وغردون وفولكر ليصعدوا على جثة الوطن من فوق جثة الجيش ولكن الله لا يهدي كيد المتآمرين.
3
ثمانية دول تآمرت من قبل على الجيش في لحظة واحدة (الأمطار الغزيرة) وتعاضدت كلها لهزيمته ولكن فشلوا، الآن جاؤوا بثمانية عشر دولة بعضها عظمى ليفككوه ويسقطوه فيسقطوا الوطن كله. كيف؟
أول ما يسقط في الوطن هو جيشه، انظر للأوطان التي أسقطوا جيوشها، ما إن سقط الجيش، سقط الوطن بين براثنهم وما إن استتب لهم الأمر حتى عاثوا فيه فساداً ودمروا ونهبوا ثرواته وجعلوا أعزة أهله أذلة، ثم تركوه قيعاً صفصفاً وأورثوه العملاء وجعلوه نهباً للضباع من حدب وصوب.
4
الجيوش ليس بالضرورة أن تُدمر بالغزو أو بالحروب الداخلية، فقد تدمر بأحابيل الساسة المتآمرين فتارة يغزوها من الداخل (أحصنة طروادة) وتارة يضعفونها بنقص الموارد ثم يشوهون صورتها (يقول ليك 80% من الميزانية ماخدها الجيش)، أو يسعون لتفكيكها بحجة الإصلاح، وأخيراً سدروا في غيهم فأعلنوا عدائهم لها صراحة وجهرة يهتفون في الطرقات (معليش ماعندنا جيش.).الغزاة والعملاء يعرفون قيمة الجيش الوطني كونه المصد الأول والأخير لحماية الأوطان فيستهدفونه ليستباح الوطن.
5
علمت الحرب التي شنها الغزاة والعملاء الشعب دروساً مفيدة رغم تكلفتها العالية، إلا أنها جعلتهم يدركون تماماً ما قيمة الجيش، كان أغلب أهل السودان يسمعون بالحرب ولا يرونها رأي العين، ولايعرفون ما يكابده الجيش في سبيل أمنهم وسلامتهم، هناك في الأحراش في جوف الصحاري الموحشة وعلى ضفاف الحدود الممتدة آلاف الكيلومترات ينتشر جنود الجيش يحرسون ويسهرون ويقاتلون لأجل أهلهم، ولكن لم يكن يحس بهم أحد، الآن بعد اندلاع حرب الجنجويد في قلب عواصم المدن والقرى عرف الشعب السوداني ماذا يفعل الجيش، شاهدوا بأم أعينهم الشهداء يقدمون أرواحهم فداءً للوطن، شاهدوا لأول مرة الدماء والأشلاء والأمهات الثكلى والأبناء اليتامى، شاهدوا مئات الجنود مرابطين في العراء في أسوأ الظروف، عرفوا كيف يصبر الجنود لأشهر على الحصار، لا يجدون ما يأكلون ولكنهم لا يستسلمون.
جزى الله الشدائد كل خير، جاء اليوم الذي عرف فيه الشعب السوداني، صغاراً وكباراً ماذا يعني الأمن وما معنى أن يحرس الحارسون “مالنا ودمنا” بصمت.. جاء اليوم الذي امتزجت فيه زغاريد صبايا الخرطوم بصوت الدوشكات وأزيز الطائرات والكلاشات، فأضحت كسيمفونيات موزارت تطرب لها، للمرة الأولى نسمع أصوات الزغاريد مختلطة بأصوات الرصاص في المعارك حين تخرج أحياء المدينة فرحة عن بكرة أبيها إذا ما سمعت أن فرسان العمليات الخاصة يجوبون الأرجاء، فتسمع النساء يزغردن والرجال يكبرون والصبية يهتفون (جيييش/ جيييييش) والصبايا يحملن الماء والطعام والأمهات يستقبلهن أبنائهن الجنود بالدموع والأحضان.. هذا هو الجيش الذي نستأمنه على حرائرنا لا جيوش المرتزقة والعملاء.
6
حين تنتهي هذه المعركة ونتفرغ لتسجيل بطولات جنود وضباط وقادة الجيش سيعلم كثيرون عظمة هذا الجيش وعظمة الذين ضحوا بكل شيء حتى أرواحهم لأجل أن يكون الوطن حراً مستقلاً.
7
اليوم 14 / 8 هو يوم عيد الجيش الذي تآمروا عليه قبل الاستقلال وبعده وإلى الآن، هذا هو اليوم الذي نرفع فيها راية استقلالنا مرة أخرى ونهنئ ونشكر فيه قواتنا المسلحة على كل تلك التضحيات الجسام التي قدموها وفدوا الوطن بدمائهم وأرواحهم الغالية عبر سبع عقود ما تخاذلوا ولا تهاونوا واستولدوا الحقَّ، من أَضْلُع المستحيل، ” ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس).. فوق الجباهِ الذليلة!.”