الرواية الأولى

نروي لتعرف

فيما أرى / عادل الباز

الجزيرة نت… تاج على رأس ملكة

عادل الباز



1
كلما دخلت إلى موقع الجزيرة نت، ازددتُ ثقة بأن الصحافة المهنية والجادة لا تزال بخير. الحقيقة أنني، ومنذ فترة طويلة، تخلّيت عن إضاعة الوقت في اللهث وراء الأخبار في المواقع المختلفة، واكتفيت بمتابعة الأخبار في ثلاث وكالات أنباء محترمة و موقعين إخباريين، أولها الجزيرة نت مع قهوة الصباح. وما ميّز عندي الجزيرة نت هو تقديرها لقرائها ومتابعيها من خلال متابعة تطورات الأحداث في العالم بشكل لا يُجارى وبطريقة مهنية. وذلك يعود للوضعية الصحفية المتميزة لشبكة الجزيرة من خلال مئات المراسلين من كافة أرجاء المعمورة، وهذه ميزة لا يمكن أن تُنافس فيها قناة الجزيرة الإخبارية. الشيء الذي يتيح للموقع تدفّقاً مستمراً للأخبار من مصادرها، وهذه ميزة لا تتوفر لأي موقع آخر أو وكالة أنباء.ما يميز الجزيرة نت مقارنة بغيرها من المواقع الإخبارية العربية أو حتى بعض الوكالات العالمية هو الجمع بين السرعة والعمق؛ إذ لا تكتفي بنقل الأخبار العاجلة، بل ترفقها بتحليلات معمقة وتقارير ميدانية. هذا التوازن بين الخبر والتحليل جعلها تتفوق على مواقع تكتفي بالسطحية أو اللهاث وراء العاجل، دون تمحيص أو تدقيق.
2
سبب هذه المقدمة هو ملف مميز يكاد يكون شاملاً في تغطية أحداث السودان بالتقارير والآراء نشرته الجزيرة نت – السودان –. أمس حوى العديد من المواضيع المهمة،وهو نتاج عمل صحفي حقيقي بدرجة امتياز، استنفرت فيه الجزيرة أفضل كتّابها و صحفييها في الشأن السوداني. هؤلاء تناولوا عبر تحليلات عميقة التطورات السياسية الأخيرة في السودان، إضافة إلى تقارير صحفية شاملة غطّت الأوضاع من الفاشر إلى الخرطوم، وبطريقة في غاية المهنية والموضوعية، كما عوّدنا صحفيو هذا الموقع دائماً. لهم كل التحايا والاحترام.
3
الجزيرة نت الآن هو الموقع الذي أثق في مهنيته من خلال تجربة طويلة في تتبّع مصداقية معلوماته والثقة بها. هذه مسألة مهمة، إذ تجعلك تصعد منصة التحليل السياسي بثقة، فتحصد نتائج على أسس راسخة، السبب يرجع إلى أن الموقع يستند في تغطيته للأخبار إلى مصادر موثوقة، ولا يلتقط أخباره من سابلة الأسافير التي لا يُعرف حقها من باطلها. أن المهنية التي تميز الجزيرة نت ليست مجرد تفوق تقني أو كثافة مراسلين، بل هي أيضًا التزام أخلاقي تجاه القارئ العربي والسوداني خاصة، في زمن تتراجع فيه الثقة بالإعلام.
4
الزملاء الصحفيون الذين يكتبون التقارير والأخبار ويديرون المطبخ اتسموا دائماً بالصدق والولاء للمهنة. وهذا ما وهب الموقع تميزه الخاص، وجعل أغلب السودانيين في المهاجر يعتمدون عليه كمصدر أساسي لمعلوماتهم، خاصة في زمن تدهورت فيه الصحافة الإلكترونية وأصبحت تلهث خلف ما يُبث في الأسافير بلا تمييز، إلا قليلاً من الصحافة الجادة.
5
ما ميّز موقع الجزيرة نت – السودان – أيضاً هو تطوره الدائم وتحركه في مساحات واسعة للتغطية الصحفية في كافة أرجاء السودان، وهو دائماً مع الأحداث في موقعها. فمثلاً، التقرير الذي نشره الموقع للمراسل الصحفي محمد زكريا حول الفاشر صدر من موقع الأحداث، وهو غير مسبوق، واعتمد في رصده للوضع الصحي على معلومات من داخل الفاشر وكردفان، مما جعله ثرياً ومميزاً. وكذلك تقرير النور أحمد النور في تقصيه للتحوّل الدولي مقارنة بالحراك السياسي الصامت. مثل هذه التقارير تعطي القارئ صورة أوسع لما يجري في السودان بمعلومات موثوقة. ثم إن هذه التغطية الشاملة من بورتسودان إلى الفاشر إلى كردفان للمواضيع الحية جعلت منافسة هذا الموقع حتى على الصحافة السودانية المهاجرة صعبة، إن لم تكن مستحيلة.
الجزيرة نت لم تُبنَ مكانتها المهنية فقط على قوة محرريها ومراسليها داخل السودان ، بل أيضاً على ثقة جمهورها، خاصة السودانيين في الداخل والمهجر الذين وجدوا فيها منصة تنقل معاناتهم وتطلعاتهم بموضوعية. هذه الثقة انعكست في تحول الموقع إلى مرجع للمعلومات تُعاد صياغته وتناقله في وسائل إعلامية أخرى، بل وأصبح جزءاً من النقاش العام في الفضاء السوداني .
6
تطور محتوى موقع الجزيرة نت ظاهرة ملحوظة. ومن أميز التطورات التي شهدها الموقع هو استحداث نافذة على أفريقيا، وهي نافذة مميزة لا يكاد يكون لها شبيه في المواقع الأخرى. تتابع هذه النافذة الأحداث الجارية في أفريقيا، بالإضافة إلى التقارير المترجمة والمقالات. وجدت أفريقيا حظها من خلال هذه النافذة من الاهتمام والتغطية. في الوسائط الإعلامية العربية لا تجد منافذ كثيرة لمتابعة الشأن الأفريقي بسبب ضعف المعرفة بأفريقيا وقلة الإلمام بالمعلومات الكافية حول قضاياها، وندر وجود صحفيين متخصصين فيها. في السودان لدينا صحفيان ثمينان فقط مختصان بعمق في القارة الأفريقية؛ هما عبد المنعم أبو إدريس، الذي أصدر أكثر من كتاب في الشأن الأفريقي، والصحفي عارف الصاروخي، الذي يرأس تحرير مجلة “أثر” الفريدة والعميقة في محتواها. أضف إلى ذلك أن أغلب المحتوى المنشور عن أفريقيا في الإنترنت تغلب عليه الإنجليزية والفرنسية. أهم الإصدارات المكتوبة بالعربية هما: “أفريكا فوكاس”، الذي صدر عددها الأخير الأسبوع الماضي، إضافة إلى “مجلة قراءات أفريقية” التي ضعفت كثيراً. غيرهما لا تكاد تجد مجلة رصينة تهتم بالشأن الأفريقي.
الموقع بتلك النافذة الأفريقية قدّم خدمة كبيرة للقارئ العربي في وقت تتصاعد فيه أهمية أفريقيا عالمياً، وتتجه الإمبراطوريات والدول لنهب مواردها الغنية والمتنوعة، كما تشهد أفريقيا أوضاعاً متفجرة في شتى أنحاء القارة.
7
لكي يحافظ الموقع على مكانته ويواكب التطورات، فإن الاستثمار في التقارير التفاعلية والصحافة الاستقصائية سيكون خطوة مهمة. كما أن التوسع في تغطية القضايا الأفريقية بعمق، وربطها بالتحولات الدولية، سيعزز من دور الموقع كمنصة إقليمية لا تكتفي بالتغطية الخبرية بل تُسهم في بناء وعي معرفي شامل.
8
أود هنا أن أهنئ زملائي الصحفيين بموقع الجزيرة نت – السودان – على الأداء المهني الرفيع الذي قدّموه في ملف السودان بالأمس. كما أود أن أشد على يد القائمين على أمر إدارة الموقع على هذه النظرة الشاملة التي تعبّر عن نفسها دائماً بخريطة التغطيات، مما يدل على أفق واسع وقدرة على التخطيط السليم، وقدرة فائقة في وضع موقع الجزيرة نت في مقدمة المواقع العربية. نتوقع المزيد من موقع الجزيرة نت – السودان –، فهو الآن صوت الصحافة الموضوعية والمهنية في الشأن السوداني.

اترك رد

error: Content is protected !!