العبيد احمد مروح
أمس السبت إجتمع نفرٌ من السودانيين – بينهم عددٌ مقدرٌ مِن حَمَلة الجنسية المزدوجة – في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا تحت مظلة “الجبهة المدنية لوقف الحرب”. كانوا أزواجاً ثلاثة، لكن جميعهم كانوا من أصحاب “الشمال”، وكان هذا أول ما يلفت نظر المراقب حين يستعرض قائمة أسماء مَن وُجهت لهم الدعوة، مما يشير بوضوح إلى هوية الجهة التي ترعى مثل هذه الأنشطة وتحشد لها التمويل وتوظف لافتتها لتنفيذ أجندتها في السودان.
أول ما طرق مسمعي الإسم الجديد “الجبهة المدنية لوقف الحرب” وتفحصت في قائمة أبرز أعضائها، عادت بي الذاكرة إلى الأرشيف السياسي السوداني، وتذكرت أنه في العام ١٩٥٢ أسس أثنان من الأساتذة الشيوعيين السودانيين تنظيماً أسموه “الجبهة المعادية للاستعمار” وضموا إليها بعض المستقلين، ونشطوا في أوساط الطبقة العمالية والمثقفين مما أسهم في فوز رئيس الجبهة “حسن الطاهر زروق” بمقعد عن الخريجين في برلمان ١٩٥٣م.
وتذكرت أيضاً أن الشيوعيين السودانيين كان لهم دور واضح ومؤثر في مناهضة “الاستعمار والقوى الإمبريالية والنظام الرأسمالي”، بغض النظر عمّا إذا كان ذلك الدور أصيلاً أم هو موالاة لآيدولجيا المعسكر الشرقي بقيادة الإتحاد السوفيتي الذي كان يتبنى مناهضة القوى الاستعمارية الغربية. وعلى الرغم من هذا الإرث في مناهضة الاستعمار والقوى الإمبريالية، إلا أن المتتبعين لمسيرة الشيوعيين السودانيين يلاحظون أن الحزب كرّس جهداً فكرياً وتنظيمياً لخدمة الإمبريالية وأدواتها الاستعمارية منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، بعد تفكك الإتحاد السوفيتي، بل إن بعض الكوادر المحسوبة على الحزب الشيوعي انخرطت – وما تزال – في المخططات الغربية المناهضة للتوجه الإسلامي في كل أنحاء العالم، فأضحت جزءً من آليات الغرب في محاربة الإسلام بحجة “الحرب على الإرهاب” وجزءً من أدوات المنظمات غير الحكومية في بسط الهيمنة الأمريكية والغربية على الشعوب في العالم النامي، وأصبحت واجهات الحزب الشيوعي وسط منظمات المجتمع المدني جزءً من أدوات “الغرب الإمبريالي” التي تمولها المنظمات الغربية ويتم بواسطتها تنفيذ أجندتها في مجتمعات البلاد الإسلامية والنامية، حتى كاد اليسار الشيوعي أن يصبح وكيلاً حصرياً للقوى الاستعمارية في السودان!! القضية في جوهرها، ليست بحثاً عن دور مفقود للمجتمع المدني في قيادة البلاد، كما يحاول الذين اجتمعوا في أديس أبابا أن يوهمونا، ولكنها محاولات مستمرة من القوى الاستعمارية والغربية التي تستخدم مثل هذه المجموعات لفرض هيمنتها على المنطقة وعلى السودان، ذلك أن أدوات الاستعمار في الهيمنة لم تعد حصرية على الغزو العسكري ولا حتى ما كنا نسميه بالغزو الثقافي، وإنما أصبحت ما يسمى بالمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني جزءً أصيلاً من أدوات الهيمنة الغربية.
ولعله من حسن الطالع أن درجة الوعي وسط قطاعات الشعب السوداني وقواه السياسية الوطنية، بوسائل الهيمنة الغربية الجديدة وآلياتها، قد تنامت بوتيرة تصاعدية خلال السنوات الأربع الماضية، وأن النفاق الغربي متمثلاً في الادعاء بدعم التحول الديمقراطي قد افتضح أمره ولم يعد يخفى على أحد، وفي ضوء ذلك تنامت حساسية المجتمع تجاه ربائب المنظمات الغربية ووكلاء الاستعمار الجديد، بل أدرك الشعب السوداني أن هؤلاء هم مَن سرقوا أحلامه في التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي، وها هم اليوم يصطفون مع مَن شنوا عليه الحرب في عقر داره، وأعملوا آلة الموت فيه قتلاً ونهباً وتشريداً. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٣