
كما ذكرتُ في مقالي السابق ، تُعَدُّ التَّنمية الثَّقافية ضرورة قصوى لتحقيق واستدامة التَّنمية الشاملة ، ؛
إذ لا يمكن للتَّنمية بمفهومها الواسع أن تكتمل دون أساسٍ ثقافيٍّ متين ، فهي تَتَطلَّب مساهمةً حيويَّةً من العوامل الإقتصادية والتربوية والاجتماعية .
فغياب التَّنمية يخلق دائمًا فجوة ثقافيَّة بين أفراد المجتمع ، مما يُؤثِّر على تَماسُكِه واستقراره وتَقدُّمِه .
والعلاقةُ بين التَّنميةِ الثَّقافية والتَّنميةِ الشاملة مُعقَّدة ومتشابكة ومتعدِّدة الأوجه ، فأهداف ووسائلُ التَّنمية الثقافية تُمثِّل جَوْهَر القيم المركوزة في النَّسيج الإجتماعيِّ والاقتصاديِّ لأيِّ مجتمع ،
ومفهومُ التَّنمية الثَّقافية ومبدأُها يقوم على مشاركة الجميع في الحياة الثَّقافية ، وبذلك تَبرُز العلاقة الوثيقة فيما بين الحِراك الثَّقافيِّ وتنميتهِ ، وبين التَّربية والتَّنشئة التي تعمل على تقوية القِيَم والدِّين والعادات والتقاليد .
لذلك، تُعدُّ التَّنمية الثَّقافية ضرورةً حتميَّةً للبناء المجتمعيِّ ، فهي تضمن تَوجِيه مساراته نحو الأفضل ، و من خلالها يمكن إدارة وتوجيه البرامج الفكرية بطريقة مُثْلى ، وتطوير آليات المجتمع لزيادة الوعي وتفاعله الإيجابيِّ مع الثَّقافة السائدة ، ويَنتجُ عن ذلك ثقافة إيجابيَّة تتجسَّد في قيم التسامح والتلاقي والتَّراحُم.
تَحضُرني هنا كذلك أهمية كبرى للتنمية الثَّقافية في قدرتها على تقريب الفجوة بين مُقوِّمات النُموِّ الاقتصاديِّ والإداريِّ ، مما يزيد من قابلية المجتمع للجوانب التنموية، ويُحقِّق النُّمو السريع ومواكبة متطلبات العصر .
وفي ظلِّ التحديَّات التي تَفرضُها العولمة ، تتبيَّن أهمية التَّنمية الثقافية في الحاجة المُلِحَّة للتخطيط المُحكم لإدارة العمليات الثقافية في المجتمع ؛ بما يتوافق مع مطلوبات المجتمعات المحلية وتَكيُّفِها مع الثَّقافة العالمية (نظريَّةُ الأصالة والمُعاصرة) خاصةً في ظلِّ التَغيُّرات المستمرَّة والمُتسارعة في العالم والتَنوُّع الثَّقافيّ الكبير الذي يُميز عدد من الدول والتي من بينها دول الخليج والسودان .
أخيرًا، وفي ظلِّ الأزمة الاقتصادية العالمية الرَّاهنة ، يجب إيلاء التنمية الثقافيَّة اهتمامًا أكبر لِتدارُك الهُوَّة الثَّقافية التي تَحدُثُ في الواقع الإجتماعيِّ جرَّاء هذه الأزمات ، ويظهر هنا انه من الضروري أن يَستلهِمَ المجتمع إرثه الثقافيِّ لمواجهة هذه الظُّروف ، وليساهم كذلك بفعاليَّة في برامج ومشروعات التَّنمية الشاملة.