
بقلم د. محمد عثمان عوض الله
المقدمة:
تسببت حرب السودان والصراع المستمر بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع في خسائر ضخمة لدولة الإمارات العربية المتحدة، سواء من الناحية المادية أو السياسية أو الملاحقات القضائية أو المعنوية. علاوة على ذلك، تزايدت الضغوط الدولية على الإمارات بسبب تورطها في دعم هذه المليشيا، مما أدى إلى تداعيات معقدة في علاقاتها الدولية. ورغم هذه الخسائر، استفادت بعض الدول من الوضع الذي وضعت الإمارات نفسها فيه، حيث استغلت هذه الدول الضغط الدولي لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية. وقد تنوعت ردود الأفعال الدولية، فبينما بعض الدول ابتزت الإمارات للحصول على أموال مقابل الحماية السياسية، فإن دولًا أخرى قد انتقدت الإمارات بشكل غير مباشر، لكنها في الوقت نفسه قبضت ثمن المواقف السياسية.
- الخسائر المادية:
تدمير العتاد العسكري الإماراتي:
شهدت الأشهر الستة الأخيرة معارك عنيفة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، تمكن خلالها الجيش السوداني من تدمير العديد من الأسلحة والمعدات العسكرية التي قدمتها الإمارات لهذه المليشيا. وتشمل هذه المعدات طائرات مسيرة، دبابات، أسلحة خفيفة وثقيلة، ومركبات عسكرية.
تقديرات الخسائر المادية على الأسلحة الإماراتية قد تصل إلى 5-7 مليارات دولار أمريكي.
الغنائم التي حصل عليها الجيش السوداني:
تمكن الجيش السوداني من الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات التي كانت قد تم تزويد مليشيا الدعم السريع بها.
تقدير قيمة الغنائم: 1-2 مليار دولار أمريكي من العتاد العسكري المستولى عليه.
المرتزقة القتلى:
الإمارات قامت بتجنيد مرتزقة من أكثر من 20 دولة حول العالم، بما في ذلك كولومبيا و ليبيا و تشاد والنيجر وافريقيا الوسطى وغيرها، لدعم مليشيا الدعم السريع. الحرب أسفرت عن مقتل العديد من هؤلاء المرتزقة، مما يعكس حجم التكلفة المالية التي تحملتها الإمارات.
التقدير المالي للتكلفة المبدئية لجلب المرتزقة و تدريبهم وتسلحيهم وترحيلهم و تكالف شركات السمسرة: حوالي 2-3 مليارات دولار أمريكي.
- الخسائر السياسية:
الإدانة الدولية:
تعرضت الإمارات لانتقادات واسعة من معظم دول العالم والمنظمات الدولية بسبب دعمها لمليشيا الدعم السريع المصنفة بارتكاب جرائم الابادة الجماعية باموال واسلحة الامارت. التقارير الإعلامية والأمم المتحدة أكدت تورط الإمارات في تقديم الدعم المادي والعسكري لهذه المليشيا.
الإمارات فقدت تأييد العديد من الحلفاء الدوليين في العالم العربي والإسلامي نتيجة لهذا التدخل، مما أثر سلباً على مكانتها السياسية.
تقديرات الخسائر السياسية: 2-3 مليارات دولار أمريكي.
اتهام شراء الولاءات:
الإمارات تم اتهامها بشراء الولاءات السياسية من بعض دول الحوار السوداني مقابل توفير حماية سياسية واستخدام المطارات والحدود.
تكاليف شراء الولاءات السياسية: قد تصل تقديرات هذه التكاليف إلى حوالي 20 مليار دولار أمريكي وإن ظهرت في الاعلام في شكل استثمارات.
- الخسائر المعنوية:
فقدان المكانة الدولية:
فقدت الإمارات مكانتها كداعم للأمن والاستقرار في المنطقة، خاصة في العالم العربي والإسلامي، بسبب ارتباطها بالمليشيات المتمردة في السودان. هذا جعل الإمارات تواجه أزمة سمعة، وأصبحت تُعتبر من الدول التي تمول الفوضى العسكرية. - التداعيات القضائية:
القضايا ضد الإمارات:
قدمت الحكومة السودانية شكاوى ضد الإمارات في مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية بسبب تورطها في دعم مليشيا الدعم السريع. من المتوقع أن تلزم المحاكم دولة الإمارات بدفع تعويضات ضخمة للضحايا ودفع تكاليف إعادة الإعمار.
التعويضات للمجني عليهم: قد تصل تكاليف التعويضات إلى 15-20 مليارات دولار أمريكي.
تكاليف إعادة الإعمار: تتراوح تقديرات تكلفة إعادة إعمار السودان بعد الحرب المدمرة بين 70-150 مليار دولار أمريكي. - استغلال الوضع من قبل بعض الدول:
دول الابتزاز السياسي والمالي:
بعض الدول استغلت الوضع الضاغط الذي وضعت الإمارات نفسها فيه نتيجة دعمها لمليشيا الدعم السريع، وبدأت تبتز الإمارات من أجل الحصول على الحماية السياسية. دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية استفادت من هذا الوضع، حيث فرضت الإمارات دفع تكاليف سياسية ومالية مقابل بعض “الحماية” أو الوعود بتجنب الانتقادات العلنية.
التقدير المالي لهذه المكاسب: قد تصل تكاليف الحماية السياسية والتفاهمات المالية لهذه الدول إلى حوالي 1-2 مليار دولار أمريكي.
دول الاستفادة من “الاستثمار” مع الحفاظ على الحياد الظاهر:
بعض الدول التي كانت في موقف حرج من انتقادات الإمارات، قررت أن تتحفظ في مواقفها السياسية وتتجنب انتقاد الإمارات بشكل علني. على الرغم من ذلك، قامت هذه الدول بالموافقة على تقديم “استثمارات” مشروطة من الإمارات، بحيث تحصل على مميزات مالية ضخمة مقابل المواقف السياسية.
التقدير المالي لهذه المكاسب: قد تصل هذه الاستثمارات إلى حوالي 1-3 مليارات دولار أمريكي، والتي كانت قد ظهرت تحت مسمى “استثمار”.
دول تتعامل بحذر وتدين بشكل غير مباشر:
هناك دول أخرى، على الرغم من دفع الإمارات الأموال والموارد لها، إلا أنها ظلت تؤكد على أهمية الحفاظ على الأمن القومي السوداني والتعامل مع مؤسسات الدولة الشرعية. هذه الدول قد أصدرت بعض التصريحات التي تدين فيها ممارسات المليشيات ولكن دون ربط ذلك مباشرة بالإمارات.
التقدير المالي لهذا النوع من المواقف: قد تحصل هذه الدول على تعويضات مالية ضخمة تحت مسمى “حماية الاستقرار” أو “الدعم السياسي”، والتي قد تقدر بحوالي 2-4 مليارات دولار أمريكي.
- الخسائر النهائية:
بناءً على ما تم ذكره من الخسائر المادية والسياسية والمعنوية، يمكن أن نلخص الخسائر الإماراتية في الآتي:
الخسائر المادية: تتراوح بين 15-20 مليار دولار أمريكي.
الخسائر السياسية: تقدر بحوالي 20 مليارات دولار أمريكي (تشمل الابتزاز السياسي والعسكري).
الخسائر المعنوية: فقدان السمعة والاحترام على المستوى الدولي والعربي.
التكاليف القضائية: قد تصل إلى 100-150 مليارات دولار أمريكي في حال تم فرض تعويضات ضخمة بناءً على قرارات محكمة العدل الدولية.
المكاسب التي حصلت عليها بعض الدول مقابل مواقفها: قد تصل إلى 5-7 مليارات دولار أمريكي، وفقًا للمساعدات المالية والسياسية المتبادلة.
الاستنتاج: تواجه الإمارات تحديات ضخمة نتيجة لتورطها في دعم مليشيا الدعم السريع في السودان. هذا الصراع لا يؤثر فقط على الاقتصاد الإماراتي، ولكن أيضًا على سمعتها السياسية في العالم. علاوة على ذلك، تسعى بعض الدول للاستفادة من الوضع، سواء عن طريق الابتزاز المالي أو من خلال التفاهمات السياسية التي تسمح بالإبقاء على المواقف “المحايدة” في الظاهر. وبالتالي، فإن الفاتورة الإجمالية التي دفعتها الإمارات — بما في ذلك الخسائر المباشرة وغير المباشرة — قد تصل إلى حوالي مئات مليار دولار أمريكي.
20 رمضان 20 مارس 2025