يبدو أن ما رشح عن تسوية سياسية قريبة ، هو جزء من مناورات وصراع مواقف ، ما بين القوي السياسية ، وما بين المكون العسكري ، وما بين قوي دولية وإقليمية باحثة عن تكريس رؤية وخيار..
وأكثر علامات الدهشة من موقف المكون العسكري ، والذي تعهد في 4 يوليو 2022م بالإنسحاب من العملية السياسية ، وتقديم الدعوة للقوي السياسية للتوحد وتقديم خياراتها ، عقد إجتماعات مع أطراف قوي الحرية والتغيير تشير لتراجع العسكر عن تعهدهم وأقوال البرهان المتكررة أنهم لن يسمحوا بإختطاف البلاد لأي جهة أو حزب، و د الاجتماعات المكوكية التي قام بها الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد الدعم السريع ، وأكتملت بإجتماع مع الفريق أول عبدالفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة هى ما أشار وأشار إليه فولكر بيرتس رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان (يونتاميس) ..
فهل هناك تشكل لمواقف جديدة وعودة لذات الخيارات ما قبل 25 أكتوبر 2021م وماهي التنازلات التي قدمها المدنيين كما جاء في خطاب البرهان بالبسابير (الجمعة 14 أكتوبر) ..
(2)
ثمة ملاحظات جديرة بالنظر هنا:
أولا: هناك أجندة خارجية وإقليمية ساعية للتسوية بين طرفين (المكون العسكري وقحت)..وتستعين لذلك بضغوط ومقاربات أخرى..والالية الثلاثية مجرد واجهة لذلك.. وقد حرصت هذه القوي لأهمية مشاركة المكون العسكري في القرار ووفرت مظلة لذلك من خلال مشروعات ومبادرات ومواثيق أبرزها مشروع الدستور الإنتقالي.. وهو ما يفسر لماذا رحب حميدتي به؟
ثانيا: لم تكن تجربة قحت في الحكم مستساغة للجيش كمؤسسة ، من خلال التشكيك والإستهداف والتقليل من شأنه ، كما أن خيار المؤسسة العسكرية ألا تكون (رافعة لقوة سياسية مهما علا شأنها).. وهذا خط إعلامي في تصريحات قادة المكون والمؤثرين.. والحديث عن تسوية ذات طرف دون آخرين هو طي هذه الصفحة..
وثالثا: إن الساحة شهدت متغيرات كثيرة بروز وإنحسار ، وصعود وهبوط ، وإنقسامات وتكتلات ، فلم تعد الواجهات بذات اللمعان (هناك أكثر من قوي حرية ، إبتعاد لجان المقاومة. انسحاب الشيوعي ، وتناثر كتل هلامية ) ، وبرزت مبادرة نداء السودان بحضور فاعل وأرضية شعبية ، وكل تلك الشواهد تؤكد أن الحديث عن قوي الحرية والتغيير بإعتبارها الحاضنة مجرد (شنشنة) بلا منطق..
رابعا: غياب الشفافية والمبدئية ، فالمباحثات جارية في الغرف المغلقة ، بينما الحديث عن التظاهرات في الشارع ، والهتافات بالإسقاط تضج به الاسافير بينما الأطراف تتبادل ترف المواقف.. والإدعاءات بالسعي لإجماع وطني عريض بينما الاجتماعات معقودة مع فصيل واحد..
وخامسا: هناك مخاوف كثيرة من تأثير (بعبع الإسلاميين)، ومخاوف بعض أطراف السلطة من العسكر أكثر تطرفا من السياسيين ، ولذلك يبحثون عن قاعدة آمنة توفر درع حماية وملاذ..
سادسا: لا يمكن قط تجاوز تعقيدات أخري ، ومنها إتفاق سلام جوبا وقضية الشرق وقوي ضغط أخري مثل لجان المقاومة دون تقديم إجابات شافية ومقنعة ..
(3)
أن الغائب المهم في هذه التسويات هو (المواطن) والحاضر هو إقتسام السلطة ، والحديث عن الإنتخابات مجرد تزجية وقت وإلهاء عن غاية مهمة ، ومعاناة المواطن اليومية ليست محل نظر أو إعتبار ، بدليل تطاول النقاش في الغرف المغلقة ، لمدة تقترب من العام الآن ،وما زال التسويف مستمرا دون نهاية في الافق..
كما أن مشروع التسوية مقترح يكشف عن أفق مسدود ، فالمكون العسكري الذي وعد في 25 اكتوبر 2021م بتدابير جديدة، سار علي ذات الدرب والسياسات.. والقوي التي كانت ومازالت في ظاهرها ترفع شعار اللاءات الثلاثة وتتحدث عن (إسقاط الإنقلاب) ، فإنها تفاوضه ، وتتحدث عن (إنهاء الحالة الإنقلابية)..
ومع أنه من المستبعد إن تقدم المؤسسة العسكرية نفسها كبش فداء لطرف من أهدافه (تفكيكها) ‘ مع شواهد تعزز ذلك كما حدث في العراق وليبيا ومخططات معلنة ، إلا أن الضغط الآن والدفع السياسي في ناحية إبعادها عن التأثير ومركز القرار والفعل بإعتبار ذلك الهدف الاهم ثم النظر بعد ذلك في بقية الاجندة ، ويبدو أن تحريك عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية لجبهة كردفان ودخول مدينة لقاوة هو جزء من إرباك المشهد ..
وفي الوقت نفسه فإن قحت تواجه مأزق وجودي مع إنحسار مدها الشعبي وتعاطف المواطنين معها.. وهي المعنية بأنها قدمت تنازلات كما جاء في حديث البرهان لمجرد الجلوس معه والموافقة علي تكوين مجلس أعلي للقوات المسلحة..
(4)
بالتأكيد هناك تسوية ، وبذات أجندة فولكر اي (قوى الحرية والتغيير مع المكون العسكري وربما إضافة الحزب الاتحادى الديمقراطي والمؤتمر الشعبي مع أطراف جهوية ، دون غيرهم وهم ما يسمونهم (أصحاب المصلحة) وهذا بالتأكيد لا يوفر حلا سياسيا ، بل إعادة إنتاج الٱزمة بصورة أكثر ضعفا مع معارضة الحزب الشيوعي والبعث ، وسيكون التيار الإسلامي والوطني عموما (تختة) ميدان الرماية لإثبات جدارتهم وإرضاء أولياء النعمة ولتبديد مخاوفهم ، وللإلهاء عن التحديات الاقتصادية والاجتماعية واجبة الحلول..