
في زحمة الحياة، وتعدد التحديات، وتراكم الأمنيات، لا يكفي أن نحلم، ولا أن نتمنى، بل لا بد أن نخطو خطوة عملية نحو تحقيق ما نصبو إليه. فكم من طموحات دفنت تحت أنقاض التردد، وكم من أفكار عظيمة ذهبت أدراج الرياح لأنها لم تُوثق بخطة، ولم تُنفذ بعزم. إن التخطيط هو الجسر الحقيقي الذي يربط بين الحلم والواقع، وبين الفكرة والإنجاز، وهو أول لبنة في بناء النجاح بعد توفيق الله عز وجل.
فما من ناجح إلا وكان خلف نجاحه رؤية واضحة، وخطة دقيقة، وعمل دؤوب. وإذا تأملنا في القرآن الكريم نجد أن التخطيط منهج قرآني، فقد قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: “قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون” [يوسف: 47]، وهي خطة اقتصادية محكمة لإدارة الموارد في أوقات الرخاء والتقشف استعداداً للأزمات. كما أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قدّم أروع الأمثلة في التخطيط، ومن ذلك ما فعله في الهجرة النبوية، إذ لم تكن مجرد رحلة بل كانت مشروعًا محكم التفاصيل، بدءاً من اختيار الرفيق، ومروراً بتحديد الطريق، وانتهاءً باختيار الغار والبقاء فيه لأيام حتى تهدأ المطاردة.
ويمر التخطيط بعدة مراحل أساسية تبدأ بتحديد الأهداف بدقة ووضوح، ثم جمع المعلومات وتحليل الواقع، يلي ذلك وضع البدائل واختيار الأنسب منها، ثم تنفيذ الخطة ومتابعتها وتقويمها بشكل مستمر. وأما أهداف التخطيط فهي متعددة، منها توجيه الجهود نحو أهداف محددة، وتوفير الوقت والموارد، وتقليل المخاطر، وتحقيق الاستخدام الأمثل للإمكانات المتاحة، فضلاً عن المساعدة في مواجهة المتغيرات واتخاذ القرارات بثقة ورؤية واضحة.
ويظل التخطيط هو المحرّك الأساسي الذي يدفع نحو الغاية، والوسيلة الأذكى لتجاوز العقبات. وهو لا يتطلب انتظار اكتمال الظروف أو توفر الإمكانات، بل على العكس، فالتخطيط الجيد يعلمك كيف تنتهز الفرص وتستفيد من السوانح، وكيف تصنع من الظروف المحدودة ممرًا للنجاح. من يخطط لا ينتظر الظروف، بل يصنعها؛ ولا يرتهن للأحداث، بل يقودها.
إن الذين يعيشون حياتهم دون تخطيط إنما يتركون أنفسهم فريسة للصدف والمجهول، وأما من يخططون لحياتهم فإنهم يصنعون فرقاً حقيقياً، ويحققون أهدافهم بوعي وثقة. فليكتب كل واحد منا أهدافه، وليراجع أولوياته، وليبدأ من الآن، فإن الغد لا ينتظر، والنجاح لا يُمنح، بل يُنتزع بالسعي والتخطيط والعمل المتقن.
إذا أردت أن تحول الأماني إلى احتياجات، والمستحيل إلى ممكن، والأحلام إلى واقع، فابدأ بخطة، ثم انهض، واسعَي، وكن على يقين أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.