من زاويةٍ أخري / محمد الحاج

التبدلات في الموقف العربية و الأفريقية تجاه ملف الحرب في السودان.


علي ما يبد أن هنالك الكثير من التداول و النقاش الذى دار في الساحات الخلفية منذ اليوم الاول لنشوب حرب ١٥ أبريل ما بين قيادة الدولة السودانية المتمثلة في الفريق البرهان مع عدُة محاور في المنطقة وذلك حتى لا يتم تحييد السودان الى مسار يفضي في نهاية المطاف الي تبعيته للوكالة التي تعمل من اجل فرض وبسط الهيمنة و النفوذ علي موارد الدولة السودانية و القرن الأفريقي.
علي ما يبدو أن السودان قد نجح فى خططته للتصدي لهذه المحاور باتباع سياسة النفس الطويل وذلك من خلال صمود شعبه و قواته المسلحة مجتازا بذلك كل المراحل الصعبة و المعقدة من ضغوط اقليمية و دولية لقبول تسوية كانت يمكن أن تؤدى في نهاية المطاف الي تفكيك و انهيار الدولة السودانية تماماً وذلك بقبول مليشيات الدعم السريع الأرهابية كجزء في عملية ادارة الدولة السودانية مرة أخرى.
فكيف استطاعت القيادة السودانية تخطي هذه المرحلة بتحييد هذه المحاور وصولاً الي جعلها تغير من مواقفها و تذهب إلى دعم الدولة السودانية و مؤسساتها هذا ما سنقوم بكشفه من خلال عرضنا للحقائق بهذا المقال ” التبدلات في الموقف العربية و الأفريقية تجاه في ملف الحرب في السودان”.

سياسة النفس الطويل هي سياسة تعتمد علي المناورة بالتفاوض بكروت ضغط لكل طرف من أطراف العملية التفاوضية ثم العمل علي كسر خطط الطرف الاخر من خلال قبول ثم رفض التفاوض وفي نفس الوقت فتح باب حوار خلفي لتحييد اطراف تدعم ما يصبو اليه المفاوضين لكسب المزيد من الدعم مقابل تقديم تنازلات صورية وعليه فقد قدمت الدولة السودانية نموذجاً متفرداً اثبتت به مهارات المفاوضين السودانيين حيث تم إيقاع المجموعة المفاوضة من قبل مليشيات الدعم السريع وداعميها في فخ القبول باتفاق يصعب عليهم تنفيذه(اتفاق جدة) كما وضع المجتمع الدولي في حرج كبير عندما يتحدث عن اتفاقية جدةً و ذلك لانه لم يستطيع إلزام مليشيات الدعم السريع الأرهابية بتنفيذ بنود هذه الاتفاقية هذا علي الصعيد الداخلي.
اما علي الصعيد الدولي فقد اتخذت الدولة السودانية اولي خطواتها في سبيل تحقيق أهدافها في فك الحصار المضروب عليها عن طريق فتح الباب امام المحور الأفريقي للمعسكر الشرقي دولة الجزائر و التي قامت بدورها بتدويل ملف الحرب في السودان في المنابر الدولية ودعم تحركات الدولة السودانية خصوصاً في مجلس الأمن والسلم الدولي كما لعبت دوراً اخر مهماً وهو فك الحصار المضروب علي القوات المسلحة السودانية الذي فرضته عليها محاور اقليمية وبدأت بتزويد الجيش السوداني بالعتاد اللازم مع تيسير عملية التفاوض مع احدي الدول الكبري في المعسكر الشرقي حتي تقوم بدعم الدولة السودانية وهكذا بدأت الدولة السودانية تتنفس الصعداء وتخرج من الحصار المضروب عليها اقليمياً و دولياً ثم تتقدم في ميادين القتال داخلياً مما جعلها تبداء في استخدام كروت الضغط الاخرى و عملت علي تدمير المخططات التي أعدّت لضرب الدولة السودانية مسبقاً وحتي نفهم المزيد عن كيفية تحقيق التقدم تلو الاخر في ملف الحرب في السودان علي الصعيد الدولي و بخطوات حثيثة وصولاً إلي ما نشهده اليوم من تغيرات في الموقف سواء عربياً او أفريقياً او دولياً علينا أولاً وقبل الذهاب بعيدًا و لمعرفة التفاصيل التي استطاعت الدولة السودانية تحييد جميع دول المنطقة للوقوف في صفها و لكي نفهم عملياً صياغة الأحداث وما تم التوافق عليه في دهاليز الاجتماعات التي كانت تتم ما بين السودان ونظرائه من الدول في المنطقة وجب علينا أن نفهم اهمية الموقع الحيوي و الجيواستراتيجي للدولة السودانية لكي نفهم لماذاً وتحديداً في هذآ التوقيت تحركت القوي الاقليمية و الدولية لمساندة الدولة السودانية على التخلص من مليشيات الدعم السريع الأرهابية المدعومة من قبل نظام ابوظبي.

الكل يعلم اهمية الدولة السودانية استراتيجياً للعمق الافريقي و العربي ولكن هنالك اهمية اخرى كبيرة لمنطقة معينة و هي البحر الأحمر فقد اكتسب البحر الأحمر أهمية سياسية واستراتيجية واقتصادية وعسكرية، حيث يعتبر هو الربط بين الساحل الآسيوي عند شبه الجزيرة العربية والساحل الأفريقي عند مصر, ثم إلى شمال أفريقيا وعند السودان والصومال, ومن ثم إلى قلب القارة الأفريقية, كذلك هو الربط بين المحيط الهندي جنوبا والبحر الأبيض المتوسط  شمالاً, كأقصر طريق للملاحة ومن ثم للتجارة, وبالتالي فأن استخدام كرت البحر الأحمر في اي جولات تفاهم بين السودان و المحاور الاقليمية و الدولية يكون دايماً حاضراً في المقدمة بحيث تطرح الدولة السودانية أحقيتها في التصرف في الشواطئ السودانية من خلال تسويق هذه الشواطي لمن يريد الدخول الي العمق الأفريقي العربي من خلال البوابة الحاكمة له بما تسمى (African Corridor) وهذا يجعل السودان يستفيد و يكسب الجولات من خلال طرح هذا الكرت للراغبين من الدول العظمى التى تسعى الي توسيع نفوذهم في منطقة القرن الأفريقي هذا جانب اما الجوانب الاخرى جميعها تتعلق بصراع الموارد و هذا يمكن تغطيته في مقال آخر.
إذا من هذه المعطيات نفهم كيف استطاعت الدولة السودانية النفاد من الضغوط الاقليمية والدولية و التي صاحبتها منذ بداية حرب ١٥ أبريل من قبل مليشيات الدعم السريع الأرهابية والتي تخطتها جميعها حتى وصلت لعقد تفاهمات تقود إلى مرحلة جديدة تم التوافق عليها اقليمياً ودولياً بعد أن دفع الشعب السوداني الفاتورة الباهظة للحرب في سبيل التخلص من القيود التي فرضتها قوي الشر لتفتيته.
لذلك و من المتوقع وبالتوافق مع دول الاقليم تدشين مشروع وحدة السودان في مقبل الايام القليلة القادمة فسوف يشهد السودان حراكاً اقليمياً و دولياً مكثفاً وذلك ضمن عملية احياء مسار عملية التحول الديمقراطي التي من خلالها سوف تعقد التسويات التي تفضي الي اطلاق مرحلة جديدة في عمر السودان و التي سوف يتوافق عليها داخلياً جميع الفرقاء السياسيين و العسكريين وذلك تمهيداً لإطلاق المرحلة التاسيسية الاولى للمشروع الوطني الذي من خلاله سيتم إعلان حكومة انتقالية ثم الذهاب الي وضع دستور السودان الجديد الذي يعبر عن وحدة السودان أرضاً و شعباً وذلك تفضيلا للمصلحة العليا. ليبدأ بعده عملياً دخول السودان ضمن المنظومة الدولية و التي سوف تعمل من اجل إعمار هذا القطر الأفريقي العظيم و الذي سوف يعيد هيبته و مكانته ويسطع نجمه مرة اخرى بين دول العالم.

١٢ مارس ٢٠٢٥ م

اترك رد

error: Content is protected !!