
(١)
على خلفية الاجتماع الأخير بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بواشنطن ، رمت المملكة العربية السعودية بثقلها لخلق مسار لحل الأزمة يتجاوز الجمود الذي خلفته الرباعية بشكلها المرفوض من قبل الحكومة السودانية .
لذلك تكتسب زيارة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى المملكة العربية السعودية ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان امس أهمية استثنائية .
الرئيس ترامب قال أنه بناءا على طلب وإلحاح من الأمير محمد بن سلمان، سيتدخل للعمل على إنهاء الحرب في السودان، واصفًا الوضع بأنه “فظيع” وأن الأمير شرح له تداعيات الحرب وكثيرا من المعلومات التي كانت خافية عليه ، من هنا جاء اهتمام ولي العهد محمد بن سلمان للتوصل لتفاهمات عملية مع الفريق البرهان الرافض الرباعية بشكل قاطع والتوصل لطريق ثالث قد يقود إلى احياء منبر جدة مع التعديلات بما يتوافق مع كثير من المتغيرات التي حدثت على الارض . لذلك ليس مستبعدا ان يكون البرهان التقى مسعد بولس بالرياض وفقما لما ذكرته مصادر إعلامية وتكتمت عليه الحكومتين السعودية والسودانية . من الواضح ان السعودية ومع اطالة امد الحرب لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى دولة الإمارات تعبث بأمن المنطقة برمتها وتساهم في زعزعة الاستقرار بصورة واضحة ومكشوفة والسودان يمثل أولوية استراتيجية لأمن البحر الأحمر بالنسبة للرياض، وأنها تسعى لتفعيل دور أمريكي مؤثر ومباشر لايقاف الاستنزاف الإماراتي .
طريقة استقبال قائد الجيش السوداني امس من قبل القيادة السعودية وعلى راسها ولي العهد محمد بن سلمان بحضور وزراء الدفاع والداخلية وكبار المسئولين السعوديين ، وترحيب الفريق البرهان بالمبادرة، و وصفه جهود ولي العهد بـ”طريق السلام”، ما يشير إلى أن الرياض أصبحت الشريك الأكثر تفضيلاً للقيادة السودانية (الجيش) في المسار السياسي والدولي لإنهاء الحرب وانطلاق مرحلة جديدة للوجود السعودي بلا اجندة او تدخلات سلبية .
وجود وزير الدفاع السعودي في المباحثات بين البرهان ومحمد بن سلمان لربما تشي بتامين دعم لوجستي للجيش السوداني لتعزيز موقفه على الارض مما يجعله اكثر قوة في اي مفاوضات يقودها الرعاة الجدد ( السعودية وأمريكا)
تأتي زيارة البرهان للرياض لتثبيت التفاهم السعودي الأمريكي وتوسيع نطاقه والبحث في شكل مضمون لجولة محادثات للسلام إذا ما كانت ستكون استمرارا لمنبر جدة ، ام سينبثق منها مسار جديد برعاية أمريكية سعودية وربما مصرية ذات تاثير اكبر.
التنسيق السعودي السوداني مع البعد الأمريكي عبر ترامب له تداعيات وتأثيرات مهمة لجهة زيادة الضغط على مليشيا الدعم السريع .. تصريح ترامب ان المشكلة جنونية وخارجة عن السيطرة .. توحي بامكانية تبني موقف دولي اكثر حزما تجاه الطرف الذي ينظر اليه على انه المسبب الرئيسي لتفاقم كارثة الحرب والانتهاكات وهو ما يخدم الرواية السودانية الرسمية فيما يختص بشن مليشيا الدعم السريع للحرب في السودان وتوسيع نطاقها وما ارتكبته من فظائع ضد القانون الإنساني الدولي.
الاتجاه الجديد في مسار السلام ( امريكا والرياض) يرسل رسالة واضحة إلى القوى الاقليمية وعلى راسها ابوظبي بتضييق خياراتها في تبني موقف يعيد مليشيا الدعم السريع إلى المشهد او التقليل من شرعية مؤسسات الدولة السودانية المعترف بها. كذلك يؤطّر للحرب بالرواية السودانية ( ليست حرب جنرالين) ضمن اجندة إقليمية دولية جديدة تقودها المملكة السعودية وتستفيد من ثقل الرئيس الأمريكي ترامب.
بعد الجمود الذي صاحب منبر جدة لأكثر من عامين تعود مركزية الرياض مرة اخرى مرجعية سياسية ودبلوماسية للسلام في السودان بتأكيد شرعية الحكومة السودانية ودحض فكرة الحكومة الموازية ، ويمكن القيادة السودانية للتعامل مع المجتمع الدولي خاصة واشنطن . هذه المرجعية بلا شك ستكون مسنودة من الشعب السوداني الرافض تماما اي وجود اماراتي باعتبارها دولة عدوان مقابل تأييد اي طرح سعودي يقود لوقف الحرب .



