
ظلت الشعوب الأفريقية و قادتها و مفكرينها ومنذ بزوغ فجر التحرر من الاحتلال الأوروبي في منتصف القرن الماضي يبحثون عن حلول لتوحيد الشعوب الأفريقية، فعكف كل من كانوا يهتمون من رؤوساء و مفكرين علي خلق نموذج لتوحيد شعوب القارة الافريقية لمجابهة التحديات الخارجية القادمة للقارة الأفريقية والتى بدأت تتشكل ملامحها فى أفق القارة الأفريقية والتى تتطلب قدراً من التضامن الفعال بين جميع الدول الأفريقية لتتمكن من مجابهتها ومن ثم تحقيق امال وتطلعات الشعوب الأفريقية من رفاهية وإستقرار.
و استجابة للنداءات و المطالبات المتتالية من شعوب القارة السمراء بتعزيز الوحدة الأفريقية منذ الفترة التى تلت خروج المحتل الأوروبي تأسست منظمة الوحدة الأفريقية من أجل تعميق وتعزيز التضامن الأفريقى وحل قضايا القارة السياسية والإقتصادية والأمنية فى إطار أفريقى بحت,ومن ثم برزت فكرة تطوير المنظمة الأفريقية لتصبح إتحاداً أفريقيا يؤسس لإنشاء ولايات متحدة أفريقية عبر الإسراع فى إنجاز الوحدة الأفريقية فى جميع المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية والأمنية بين جميع الدول الأفريقية. وعليه وإستجابةً لهذه النداءات الأفريقية القديمة والجديدة من أجل العمل على إنجاز مشروع الوحدة الأفريقية فى شتى المجالات؛ ولد الإتحاد الأفريقى قانونياً من رحم منظمة الوحدة الأفريقية فى 26 مايو من العام 2002 م كمنظمة إفريقية قارية بمبادرة من الرئيس الليبى الأسبق معمر القذافى الذى أغتيل خلال معارك فى مدينة سرت عقب إستيلاء الثوار الليبين على الحكم فى ليبيا. وقد قرر رؤوساء الدول الأفريقية بعد “إعلان سرت” الذي سمي على اسم مدينة سرت الليبية في 9 سبتمبر من العام 1999 م إنشاء الإتحاد الأفريقى, وفي عام 2000 أقيمت قمة أفريقية فى مدينة لومى أعتمد فيها القانون التأسيسى للإتحاد الأفريقى.
فكانت أهم أهداف الاتحاد الافريقى هو تعزيز الأمن والسلم فى القارة الأفريقية والحل السلمي للنزاعات بين الدول المكونة لعضوية الإتحاد الأفريقى وذلك عبر العديد من الوسائل المستخدمة فى فض النزاعات والتى تقررها آلية الجمعية العامة للإتحاد الأفريقى, والجمعية العامة (مؤتمر الرؤساء) هى الجهة الأولى المناط بها تحقيق الأمن والإستقرار وفض النزعات. أما مجلس الأمن والسلم الأفريقى فهو الجهة المناط بها متابعة تنفيذ تلك المبادئ والأهداف الخاصة بالحفاظ على الأمن والسلم وفض النزعات بالطرق التى حددتها المواد الخاصة بحفظ الأمن والسلم فى دستور الإتحاد الأفريقى باعتباره الهيئة الرئيسية لتنفيذ كل ما يتعلق بالحفاظ على الأمن والسلم وفض النزعات فى القارة الأفريقية,ومجلس الأمن والسلم مخول له العديد من السلطات لتحقيق مبدأ الأمن والسلم منها القيام بإرسال بعثات للسلام وفرض العقوبات في حالة حدوث أي تغير غير دستوري لأحد الحكومات الأفريقية وإتخاذ المباردات والإجراءات الذي يراها المجلس مناسبة لمنع أي النزاعات القابلة للإشتعال،أوإيقاف النزاعات المشتعلة ومجلس السلم والأمن هو هيئة أفريقية لصنع القرار وتعتبر قراراته ملزمة للدول الأعضاء ونص المادة 4 (ح) من القانون التأسيسى للإتحاد الأفريقى والمادة 4 من البروتوكول التأسيسى لمجلس السلم والأمن تخول للإتحاد الأفريقى التدخل في أي دولة من الدول الأعضاء فيه فى حالة حدوث جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم الأخرى التى يعتبرها الإتحاد الأفريقى أنها ضد الإنسانية.
و من هنا نتج تساؤلنا حول الدور الذي يقوم به الاتحاد الأفريقي لاستعادة الاستقرار في السودان وفقاً لمبادئ و الأهداف المعلنة و التي نشأ من أجلها لفهم موقف الاتحاد الأفريقي في قضية الحرب الدائرة في السودان حتي يتثنى لنا فك طلاسم عدم دعم الاتحاد الافريقي للحكومة السودانية و اسباب عزلها من محيطها الاقليمي و الدولي و معرفة ما أذا كان الفساد المستشري في القارة الافريقية و الذي أطرت قوي المحتل له لخدمة مصالحها قد لحق أيضاً بهذا الصرح الأفريقي و أصبح يعمل علي تحقيق الاجندات الخارجية بعد تحييد الغالبية العظمى من الدول الاعضاء به لتنفيذ الأجندة الاستعمارية للمنتَظم الدولي الجديدة من أجل بسط نفوذه وسيطرته علي مقدرات الشعوب الافريقية من خلال اختطاف مؤسساته التي انشائها لخدمته.
بالنظر الي تعاطي الاتحاد الافريقي مع ملف الحرب الدائرة في السودان و منذ اليوم الاول لاندلاع هذه الحرب في ١٥ ابريل ٢٠٢٣ م و بعد تمرد مليشيات الدعم السريع، اتخذ الاتحاد الافريقي عدة اجراءات أدت الي تفاقم الاوضاع السياسية الداخلية في السودان وذلك من خلال التأطير لحصار الدولة السودانية و شعبها دون دراسة الاسباب الحقيقية التي ادت إلى نشوب حرب ١٥ ابريل التي شنتها مليشيات الدعم السريع الارهابية المدعومة خارجيا علي الشعب السوداني. فقام الاتحاد الأفريقي باتخاذ إجراءات تعسفيه في مواجهة الدولة السودانية وذلك بتجميد عضويتها دون مخاطبة السلطات السودانية ليكون بذلك قد خالف دستوره و الذي ينص علي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، الأمر الذي جعلنا نشكك في حيادية الاتحادية الأفريقي من ناحية و ناحية اخري التشكيك في جميع المساعي الاخري التي يقوّم بها حالياً وفهم هذه المساعي علي انها تقويض لنظام الدولة السودانية و محاولة عزلها من محيطها الأفريقي لخدمة أجندات خارجية، فقبول الاتحاد الافريقي قوي سياسية منتهية الصلاحية فاقدة للشرعية مدعومة خارجيا و تسويقها للمجتمع الدولي علي أنها تعبر عن رأي الشعب السوداني و تبنّيه لمشروع الحوار السوداني سوداني، كل ذلك يقود الي أن هنالك قوي خفية تعمل علي استخدام الاتحاد الأفريقي كواجهة لمنع الدولة السودانية من استعادة الاستقرار الداخلي و قيام المشروع الوطني دون مشاركة هذه القوى السياسية و المدنية مع مليشياتها العسكرية و التي هي جزء من المشروع الخارجي. أما الامر الاخطر و الذي لوحظ أيضاً و منذ بداية حرب ١٥ ابريل قد عمد الاتحاد الافريقي علي عدم استصدار اي إدانات لما كانت تقوم به مليشيات الدعم السريع الارهابية من انتهاكات لحقوق الإنسان، فالسلوك المريب الذي مارسه الاتحاد الأفريقي في ظل وجودا الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان و عدم رضوخ هذه المليشيات إلي اي قرار دولي يثبت أمراً وأحداً و هو وجود اجندات خفية تسعي إلي تفتيت الدولة السودانية يجري تنفيذها في بعض دوائر الاتحاد الأفريقي تعمل علي استطالة امد الحرب لخدمة اجندة تعمل علي تفتيت الدولة السودانية وذلك بدعم فصيل سياسي داعم لمليشيات أرهابية تمت ادانتها من قبل المجتمع الدولي.
إن ما لحق بالشعب السوداني من أضرار جراء العدوان الذي شن عليه من قبل مليشيات الدعم السريع الأرهابية المدعومة خارجيا لتنفيذ مخطط التغيير الديمغرافي في السودان لإخضاع السودان تحت تبعية المنتظم الدولي الجديد، ينسف الثقة مابين السودان و مؤسسة الاتحاد الأفريقي و كذلك ينسف الثقة لدي الشعوب الافريقية في هذا الصرح الذي شيّد لخدمة الشعوب الافريقية و مصالحها الأمر الذي سوف يؤدي الي تفتيتها و بالتالي خسارة كل الجهود التي بذلت من اجل تعزيز اندماج الشعوب الأفريقية مستقبلا و لذلك وجب علي الدول الاعضاء القيام علي تجديد الدماء داخل هذا الصرح بصورة تضمن عملية بكفاءة عالية و استقلالية تامة إذا ما اريد تحقيق الاهداف التي انشئ من أجلها الاتحاد الأفريقي.
ختاماً تتطلع الدولة السودانية و جميع شعوب القارة الإفريقية الاخري على إدارة أمورها الداخلية بنفسها. و أن تضع حداً للتدخلات الخارجية فى شؤونها الداخلية و أن تتجه نحو بناء السلام فى جميع أرجائها,و تتعامل بندية مع كل العالم الخارجى و يرى قادتها أن لا يكون هنالك موطىء قدم فى أفريقيا لمن يريد تحقيق مصالحه على حساب مصالح القارة الأفريقية عن طريق الإرغام والإكراه وذلك عبر جعل الإتحاد الأفريقى مؤسسة فاعلة وقوية ليست تابعة أو ضعيفة. و أن لا تكون هنالك آلية غيره للتعامل مع الآخرين إلا عبره لتحقيق مصالح الشعوب الأفريقية.
إن تكوين إتحاد أفريقى فاعل هو ما تطلبه القارة الإفريقية وتنادى به شعوبها من أجل محاربة الفقر و وقف الحروب وتحقيق الإستقرار لشعوب ومجتمعات القارة الأفريقية و عاشة الشعوب الافريقية حرة و عاش الشعب السوداني حراً أبياً.
القاهرة
٢٧ فبراير ٢٠٢٥م