د.ابراهيم الصديق على
(1)
كلمة (تقدم ) فى ورشة الإصلاح الأمنى والعسكري ، والتى قدمتها السيدة بثينة دينار ، فى مفتتح الجلسة أمس 4 مارس 2024م ، بكمبالا ، فقيرة المحتوى والرؤية ، ومتحاملة بصورة جلية ولا يمكن التعويل عليها فى بناء مفهوم موسع للإصلاح الأمني بأى حال ، و يبدو أن المنظمات وجماعاتها قد ضاقت ذرعا بكثرة الورش ولم تعد تهتم بجودة المحتوى فى خطابها والتقديم له ، خاصة أن هذه الورش تكلف مبالغ مالية طائلة ويستغرق تنفيذها أسابيع وأشهر..
و لكن بعض متن الكلمة وهوامش الورشة تشير إلى أمر شديد الخطورة يستهدف الدولة فى أهم مقوماتها…
جاءت كلمة بثينة شحيحة القيمة النظرية والبعد الفكري ، وضعيفة اللغة والمرتكزات ، والجملة المفتاحية فيها هى (إتهام الجيش السودانى ، بكل تاريخه) ، ووصفته بأنه (أتسم بالبطش ،والحروب فى جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الازرق ودارفور وشرق السودان وما حدث من انتهاكات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والتطهير العرقي ..الخ) ، ثم بدأت فى وضع لبنات الدعايات الأقرب لهتافات الناشطين ، وكأن الجيش السودانى بدأ مع الإسلاميين ، وكأنها لم تسمع بالتمرد الذى بدأ قبيل إستقلال السودان فى 1955م ، فهي مستغرقة فى هدف تسعى إليه ربط الجيش بمظلة سياسية ثم إشعال النيران..
لم تتذكر مدافعات الجيش عن الوطن طيلة أكثر من مئة عام ، منها محطات مهمة فى الإنحياز لمطالب شعبية ( 1964م، 1985م، 2019م).. وحماية للوطن والثغور من مغامرات المتآمرين والمتمردين..
ولكنها فيما يبدو منطلقات (تقدم) عندما تتلو كلمتها عضو فى حزب سياسي كان جزءا من تمرد ظل يقاتل الجيش السودانى قرابة 70 عاما ، وفى كل مرحلة تتغير الصور والآليات ولكن الهدف واحد : إضعاف القوات المسلحة..
لم تتحدث الكلمة عن التحديات الإقليمية ولم تتسع للتحولات الدولية والتجاذبات والجرائم العابرة للقارات والأطماع الدولية فى ثروات بلادنا ، لم تتناول اشكال المهددات الأمنية وخطورتها ، فهى – أى بثينة – غير معنية بذلك لإن الخلاصة المطلوبة (توصيات تسهم فى وضع إطار لسودان جديد مدني ديمقراطي فيه الحرية والسلام والعدالة والمواطنة بلا تمييز) ، وواضح أن هذا من (أكليشيهات المنظمات) الداعمة..؟ لإضاءة الفلاشات ، بينما فى العتمة يجرى ترتيب آخر..
(2)
مما ورد على لسان السيد خالد عمر يوسف (سلك) على هامش الورقة قوله:
* هناك تنوع آراء وسط القوى المدنية ، حول الاصلاح:
– بين الإبقاء على الجيش القومي وإصلاحه
– حل الدعم السريع وحل الجيش نهائيا ، تشكيل جيش جديد
(( الجيش والدعم السريع أصبحا بعد الحرب قوتين متوازيتين ، وبالتالى لا يمكن الحديث عن حل الدعم السريع أو إستتباعه للقوات المسلحة ، كما لا يمكن أن يكون الدعم السريع بديلا للجيش بأى حال من الأحوال)..
وإذا تدبرنا هذه المقولة فإن خلاصتها (حل الجيش) وتلك هى الغاية منذ الإتفاق الإطاري وما زالت ، إنها (عقدة المنشار) والهدف الخفي..
والورش معروف عنها تقديم رؤي ومباديء كلية عن الأمن والتحديات والمقومات والمرتكزات والمعايير ، ولكن ورشة الاصلاح الأمني والعسكري وحدها وكحالة نادرة فى العالم تخرج بقرار..
وهو قرار خطير ، هدم احد مقومات الدولة ، وهو النتيجة المرجوة (تفتيت الدولة)..
(3)
ولنتذكر أن المخطط الذي يستهدف الوطن قد طوى احدث تغييرات مهمة فى بقية المقومات:
- •تم تهجير المواطنين من بيوتهم ومساكنهم وتم إستيطانها لآخرين فى الخرطوم ، وتم تهجير كل قبائل المساليت من غرب دارفور والفور من وسط دارفور وتم إحلال جديد ، وأكثر من 8 مليون مواطن خارج البلاد ، ناهيك عن افواج من المرتزقة ، وهذا مهدد خطير لن تتحدث عنه الورشة ولن تشمله التوصيات..
- •تم نهب كل الممتلكات وكل الناتج القومي ، وتدمير المؤسسات والبنيات التحتية ، فى محاولة لمحو أى أثر حضري..
- •تم تشكيك فى تاريخ البلاد ، وما اسموه دولة 56 ، وكل موروث ثقافي وقيمى ، واستهدف كل أثر تاريخي أو شخصية رمزية ، في عداء سافر مع موروثنا الثقافي..
وبذلك انتهت مقومات الدولة..
(4)
ولئن أنشغل البعض ، بالمظاهر فى الورشة ، والحضور ، فإن ما وراء الكواليس شديد الخطورة..- •هل يعقل منطقا الحديث بهذه الطريقة عن قضية هى اولوية فى الأمن القومي ؟ وفى دولة أجنبية ؟ ودون تفويض شعبي أو برلمان منتخب أو مؤسسات حكم ؟ أليس ذلك تزوير وتزييف وإنتهاك للأمن القومى أشد خطورة من حمل السلاح ؟
- •أليس غريبا أن تقرر قوى سياسية فى شأن مؤسسات الدولة وهياكلها ؟
وهل تنطلى على أحد ان القوى المدنية هى مجرد واجهات حزبية ، بينما على راس الأمر قيادات حزبية ؟ إن تغيير المسمى من قحت إلى (تقدم) لا يغير من الواقع شيئا ؟.. - •ولماذا هذا السخاء فى التمويل من منظمات وجماعات لانشطة (تقدم) ، بينما رفضوا تمويل مشروعات حكومة حمدوك (المدنية)؟
لقد قامت مليشيا الدعم السريع بالخطوة الأولى فى المخطط ، وجاء دور (تقدم) على إكسابه المشروعية.. فلا تغفلوا عنهم وعن مكرهم..