
ينتبه الإنسان أحيانا إلى بعض الاخطاء في الأسماء التي تطلق جغرافيا علي المواقع والمخططات العمرانية ، ولكن انتباهته ربما تاتي متاخرة بعد أن تصبح تلك الأخطاء عصية علي التصحيح إلي درجة ان الناس يتداولونها كحقيقة وماهي إلا من قبيل الخطأ الشائع .ومن أمثلة ذلك في حياتنا السودانية المعاصرة ما يلي :
(ا) شارع النيل في الخرطوم ومثيله في ود مدني. فكلا الشارعين لا علاقة لهما بنهر النيل وإنما بالنيل الأزرق. فالشارع الذي يمتد من اقصي شرق الخرطوم إلي اقصي غربها علي الضفة الغربية للنيل الازرق ، كان يسمي ابان الحكم الثنائي: شارع كتشنر ، نسبة للجنرال البريطاني الذي قاد حملة استرجاع السودان لهيمنة الحكم الثنائي ، واول من تقلد منصب الحاكم العام بعد سقوط دولة المهدية. وعقب الاستقلال تمت إعادة تسمية هذا الشارع فكان الإسم الذي نعرفه اليوم. وتنطبق هذه الحالة علي تسمية شارع النيل بمدينة ود مدني . فليس هناك نيل ولا يحزنون وإنما هناك نيل ازرق. وقد يجادل البعض بان التسمية في الحالتين صحيحة باعتبار انها مطلقة ولاتستند إلي منطق جغرافي . وقد تعامل الانجليز بمنطق جغرافي عقلاني حين اطلقوا اسم النيل الازرق علي دار السينما التي اقاموها قبالة هذا النهر ضمن ثكنات الجيش العتيقة المسماة : البركس Barracks.. ولعل شارع النيل بام درمان – وهو اسم علي مسمي – قد اثبت الحكمة من استخدام المنطق الجغرافي العقلاني في تسمية الشوارع.
(ب) مدينه الخرطوم بحري والتي هي امتداد – عبر النيل الأزرق – للجهة الشمالية للخرطوم ، ولهذا السبب اسماها الانجليز : Khartoum North غير ان شريكهم المصري في حكم السودان قد عرًب كلمة North بكلمة ( بحري) التي تعطي نفس المعني للاتجاه الجغرافي حيث ان المصريين يسمون الشمال (بحري) وبسمون الجنوب (قبلي) وقد اخفق كلا الانجليز والمصريين في استنطاق البيئة السودانية لاستيلاد الاسم الصحيح لهذة المدينة. فالسودانيون ينسبون اسماء القري والمدن إلي موقعها من ضفة النهر. فما يقع علي الضفة اليمني في اتجاه المصب فهو (شرق) وما يقع علي الضفة اليسري فهو (غرب) ودليلنا علي ذلك تمثيلا – من بيئة الخرطوم نفسها – اسماء الجريف وسوبا والباقير ، شرقا وغربا علي ضفتي النيل الأزرق . وانطلاقا من هذه القاعدة فإن الاسم الأوفق والصحيح لمدينة الخرطوم بحري هو (الخرطوم شرق ).
(ج) سد مروي الذي ينسب إلي المدينة المعروفة في شمال السودان وهي نسبة لاتخلو من خطأ . فهذا السد يبعد عن المدينة بعدة كيلومترات لكنه يقوم علي جزيرة صخرية هي جزيرة مروي(بكسر الميم وسكون الراء) والفرق واضح بين الاسمين. فلماذا لم يأخذ السد اسمه من هذة الجزيرة عرفانا لها وتعريفا بها ؟
أرأيتم الآن كيف يسود الخطا ثم يتداوله الناس في غفلة وهم ساهون؟