الرواية الأولى

نروي لتعرف

تقارير

استقالة صحفية كندية من “رويترز” تفتح ملف سلامة الصحفيين في غزة : أرقام صادمة وشهادات دامغة

تقرير : الرواية الاولى – رئيس التحرير

في خطوة تحمل دلالات أخلاقية وإعلامية عميقة، أعلنت المصوّرة والصحفية الكندية فاليري زِنك استقالتها من وكالة رويترز، ومزّقت بطاقة اعتمادها الصحفي في إعلانٍ احتجاجي على ما وصفته بـ“تحوّل مؤسسات إعلامية غربية إلى ناقلٍ غير ناقدٍ للرواية العسكرية الإسرائيلية” خلال الحرب على غزة. حدث ذلك يوم الثلاثاء 26 أغسطس/آب 2025، على وقع موجة غضب عالمية بعد قصفٍ استهدف مجمّع مستشفى ناصر في خان يونس وأودى بحياة خمسة صحفيين ضمن أكثر من عشرين ضحية، بينهم متعاونون مع رويترز والجزيرة ووكالات دولية أخرى.

من هي فاليري زِنك؟

تنحدر زِنك من مدينة ريجاينا الكندية، وتعمل كمصوّرة صحفية مستقلة وناشطة اجتماعية. عُرفت منذ سنوات بدورها في التضامن مع القضايا الإنسانية، خصوصًا القضية الفلسطينية؛ إذ شاركت خلال الانتفاضة الثانية في الضفة الغربية وغزة كمسعفة متطوّعة، وواصلت منذ ذلك الوقت انخراطها في توثيق الصراعات وقصص المهمشين عبر عدستها. نشرت أعمالًا فوتوغرافية وتحقيقات في مجلات كندية مثل Briarpatch وSask Dispatch، قبل أن ترتبط بمهام مع وكالة رويترز. قرارها الأخير بتمزيق بطاقة اعتمادها الصحفي لم يكن، إذن، مجرد فعل احتجاجي عابر، بل امتداد لمسار طويل من الالتزام الأخلاقي والإنساني تجاه ضحايا الحروب والصحفيين العاملين في ظروف استثنائية.

أنس الشريف… مثال صارخ

خصّت الصحفية الكندية بالذكر الصحفي الفلسطيني أنس الشريف، مراسل قناة الجزيرة الحائز على جائزة بوليتزر، والذي اغتيل في غزة في العاشر من أغسطس الجاري بعد تلقيه تهديدات علنية. وانتقدت زِنك “صمت المؤسسات الإعلامية الدولية” إزاء التهديدات التي تعرض لها الشريف وزملاؤه، مؤكدة أن هذا الصمت كان بمثابة ضوء أخضر لمواصلة استهدافهم.

غزة… أخطر مكان للصحفيين

بحسب منظمات حقوقية دولية، تحولت غزة إلى أخطر بقعة في العالم للعمل الصحفي خلال العامين الماضيين. فقد قُتل في القطاع ما يفوق عدد الصحفيين الذين سقطوا في تغطية الحرب العالمية الثانية أو حرب فيتنام أو كوريا مجتمعة. كثير من هؤلاء الصحفيين كانوا يعملون كمراسلين محليين أو مستقلين لصالح مؤسسات إعلامية كبرى، بينهم رويترز ووكالة أسوشيتد برس.

هذا النزيف غير المسبوق في صفوف الإعلاميين ترافق مع ظروف إنسانية قاسية. ففي بيان مشترك صدر مؤخرًا عن رويترز ووكالات كبرى مثل AP وBBC، أعربت هذه المؤسسات عن “قلق بالغ” على أوضاع الصحفيين المحليين في غزة الذين أصبحوا عاجزين حتى عن تأمين الغذاء لأنفسهم ولأسرهم بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق.

أرقام صادمة

•لجنة حماية الصحفيين (CPJ): 197 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا قُتلوا منذ أكتوبر 2023، بينهم 189 فلسطينيًا، إضافة إلى 135 مصابًا و90 معتقلًا.

•مراسلون بلا حدود (RSF): أكثر من 200 صحفي مقتول، بينهم 56 قُتلوا بسبب عملهم الصحفي المباشر.
•تقديرات محلية وإعلامية: تشير إلى أن العدد قد يصل إلى 240 صحفيًا فلسطينيًا منذ بداية الحرب، وهو ما يعكس اتساع الفجوة بين التوثيق المنهجي والتقديرات الميدانية.

أما الهجوم على مستشفى ناصر يوم 25 أغسطس فقد أكد مقتل خمسة صحفيين على الأقل، بينهم حسام المصري (متعاون مع رويترز) ومحمد سلامة (مصور في الجزيرة) ومريم أبو دقة (عملت مع AP وIndependent Arabia)، في ضربة واحدة أثارت إدانات واسعة.

مأزق المعايير الأخلاقية

خطوة فاليري زِنك لم تكن مجرد استقالة شخصية، بل عكست أزمة أعمق يعيشها الإعلام الغربي في تغطيته للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. فبينما يواصل الصحفيون الفلسطينيون دفع حياتهم ثمنًا لنقل الحقيقة، تطرح تساؤلات ملحّة حول مدى التزام المؤسسات الإعلامية الدولية بمعايير الاستقلالية، ومدى مسؤوليتها في مواجهة الروايات الرسمية التي تُستخدم لتبرير استهداف الإعلاميين.

بين التضامن والمسؤولية

تفتح استقالة زِنك النقاش من جديد حول دور الصحفيين الدوليين في التضامن مع زملائهم في الميدان، وحول الواجب الأخلاقي لمؤسسات الإعلام العالمية في حماية شركائها المحليين بدلاً من التخلي عنهم. فبينما يمزق صحفي بطاقة اعتماده احتجاجًا، يواصل المئات من الصحفيين في غزة العمل تحت القصف، حاملين الكاميرا والقلم كشهادة أخيرة على حرب تُخاض في الظلام.

اترك رد

error: Content is protected !!