
كتب : المحرر الدبلوماسي
إذا كان علينا أن نصدق رواية النائب العام لحكومة أبوظبي المليئة بالثغور والفجوات حول قصة طائرة السلاح المتجهة للسودان ، فينبغي أن نهنئ الفريق أول ركن ياسر العطا، عضو مجلس السيادة، ومساعد القائد العام للقوات المسلحة، على اكتشافه المبكر أن حكومة أبوظبي ما هي إلا “مافيا” تتخذ مظهر الحكومات!
لقد أوضح الكثيرون ما يعتور رواية أبوظبي من تناقض مع المنطق والمعقول، من حيث استحالة أن تكفي طائرة صغيرة لمثل الحمولة المزعومة للذخائر والأسلحة والتي تتطلب عددا من الطائرات المتوسطة أو حتى الكبيرة. أو أن مثل هذا الجهد والتخطيط المفترض وملايين الدولارات تبذل فقط لاستيراد كلاشنكوف، وذخائر، مع وجود صناعة محلية متقدمة في السودان لهما، إذ بدأ تصنيع الذخائر قبل أكثر من ستة عقود. وإنك إذا كنت تملك المال، فإن شركات السلاح ستتولي إيصال السلاح لك في المكان الذي تريد. وتوقفوا عند جزئية أن من يقفون وراء الصفقة،حسب البيان، وهم خبراء أمنيون، لم يجدوا إلا الإمارات، وبينها والسودان ما هو معلوم حتى للأطفال، مكانا لهبوط الطائرة، وإكمال الإجراءات المالية. كما تساءل البعض عما إذا كانت هي محض صدفة أن تتزامن الحادثة مع افتضاح المزيد من تفاصيل شحنات السلاح الإماراتي لمليشيا الجنجويد مثل التحقيق الاستقصائي لقناة فرانس 24 ذي الخمس حلقات، وتقرير رويترز الأخير، وقرب موعد إعلان محكمة العدل الدولية لقرارها بشأن قبول دعوى السودان ضد الإمارات.
إذا تجاوزنا عن كل تلك الفجوات رغم أنها تنسف الرواية من أساسها، وقبلنا ما أدلى به النائب العام للدويلة – لمصلحة النقاش- فإن ذلك الإعلان يعني ٱعترافا قانونيا موثقا من الحكومة الإماراتية بأنها تمارس القرصنة الجوية. ولما كانت الإمارات أصلا المركز الأول عالميا لغسيل الأموال، ورعاية تهريب الذهب والمعادن النفيسة، وإحدى أهم بؤر تجارة الرقيق الأبيض وأشكال العبودية الحديثة الأخرى مثل أطفال الهجن، وإساءة معاملة المهاجرين، وتجارة السلاح كما يستفاد من بيان النائب العام، فأن أصدق وصف لحكومتها أنها مافيا حسب عبارات الفريق العطا.
تذكر الرواية الإماراتية أن الطائرة، التي لم تعلن هوية مالكيها ومن أين انطلقت، توقفت في مطار بالدولة للتزود بالوقود. وبموجب قوانين الطيران الدولية، فلا يمكن لأي طائرة عبور أجواء أي دولة أو التوقف فيها إلا بعد الحصول على أذونات بذلك من الدولة، بعد تقديم معلومات تشمل:
نوع الطائرة
رقم تسجيلها ( بمثابة رقم لوحة السيارة)
إسم قائد الطائرة ( الكابتن)
علامة النداء
نقطتي الدخول والخروج، ومطار الهبوط والفترة الزمنية لذلك.
ومن حق الدولة ، في ضوء هذه المعلومات، أن تمنح الأذونات، وهي بمقابل مالي كبير، أو تحجبها. وفي حال عدم منحها، فيمكن للدولة أن تهاجم الطائرة إذا دخلت أجواءها. أما إذا منحتها الإذن بالعبور أو الهبوط، فستكون الطائرة في حماية الدولة حتى خروجها من أجوائها، ولا يمكن التعرض لها، إلا بالطبع إذا بادر من هم بالطائرة بالاعتداء، وهو ما لا يمكن تصور حدوثه. وغير ذلك فسيكون الأمر قرصنة جوية.
والأسئلة التي تفرض نفسها هي: متى هبطت الطائرة في المطار الإماراتي؟ وما هي المدة التي كان يفترض أن تستغرقها عملية التزود بالوقود؟ وهل منعتها السلطات الإماراتية من المغادرة بعد الفراغ من ذلك، وصادرت حمولتها؟ وهل هناك أي أسس قانونية لمثل هذا الفعل الذي لا يمكن تصنيفه إلا أنه قرصنة يماثل ما يقوم به القراصنة في المياه الدولية، حيث يحتجزون السفن وينهبون ما بها؟ وهل في توريد أسلحة للسودان أي مخالفة للقانون الدولي، علما بأنه لا يوجد حظر سلاح عليه من الأمم المتحدة؟ وهل أخطرت الإمارات مالكي الطائرة، أو جهة تسجيلها والمنظمات الدولية المعنية بالطيران بالإجراءات التي اتخذتها ضد الطائرة والتي تعد تهديدا خطيرا لأمن وحرية الطيران، وجريمة إرهابية مكتملة الأركان؟
لقد وضع بيان النائب العام الإماراتي حكومته أمام خيارين، احلاهما مر. إما أن تقر بأن هذه الرواية مختلقة ولا أساس لها من الصحة، أو أن يعتبر البيان اعترافا بأنها حكومة مافيا، تمارس القرصنة والإرهاب، والاعتراف سيد الادلة.