الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرأي

إلى لجنة الفريق إبراهيم جابر مع التحية

مرتضى شطة

لابد من الإشارة أولاً إلى تحفظي على مسمى اللجنة وهو ما جعلني أخاطبها باسم رئيسها سعادة الفريق ركن بحري مهندس إبراهيم جابر ،فاللجنة ذات غاية وطنية سامية وهي تعمل في ظروف طوارئ وجهودها مقدرة وإنجازاتها على الأرض لا تخطئها عين .
أعود إلى تحفظي على تسمية اللجنة بلجنة تهيئة الخرطوم لعودة المواطنين ،لأن في ذلك مقاربة خاطئة في نظري ،فالاسم يوحي بأن الخرطوم العاصمة كأنما هي خالية من السكان تماماً بمدنها الثلاث وتجري تهيئتها ليأتيها الناس ،فالخرطوم مسكونة ومأهولة بمدنها الثلاث .فالاسم في تقديري يثبط من همم من هم في الخارج في العودة من ناحية ويوحي بأن الخرطوم غير صالحة للسكن البشري كما أشار أخي وصديقي العزيز الأستاذ محمد عبد القادر رئيس تحرير صحيفة الكرامة مستصرخاً السلطات لتهتم بتأهيل العاصمة وإعادة إعمارها من خلال رفع مستوى الرعاية الرسمية بذلك لتكون اتحادية المستوى ،وأظن أن اللجنة ورئاستها الرفيعة تصب في هذا الاتجاه .
لن أهرف بما لا أعرف ،ولا أطلق الأحكام جزافاً ،فقد لقيتني الحرب صباح اندلاع تمرد السبت المشؤوم في السوق العربي بالخرطوم وكنت آخر من قاد سيارة عبرت جسر النيل الأبيض إلى أمدرمان لأن ضابطاً برتبة نقيب من القوات المسلحة كان قد أغلق مساري الجسر الأوسط والجنوبي بدبابتين ولما دنوت منه أشار إلى بالاستعجال فمررني وأغلق المسار الشمالي بالدبابة الثالثة ،ولم يتم فتح ذلك الإغلاق مجدداً إلا في ليلة العبور المجيد لأبطال القوات المسلحة في ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٤م .سمحت لي ظروف إقامتي في كرري طوال فترة الحرب بمعايشة الأحداث عن كثب كما مررت في مهمة إخلاء أسرية في الأسبوع الثاني للحرب إلى شمبات وعدت عبر جسر الحلفايا ،وسنحت لي فرص أخرى الوقوف على تفاصيل كثيرة في أمدرمان وأمبدة ثم وضعتني مهمتي في تأمين المقار المتعددة للمؤسسة التي أعمل بها في مقدمة الواصلين إلى مدينتي بحري والخرطوم في اليومين التاليين لتحرير كل منطقة .
خلاصة مشاهداتي الميدانية أن المدن والمناطق والأحياء تخرج من الحروب والدمار كما الكائنات الحية ،تحتاج إلى إستعادة دورة الحياة من جديد تتعلم كما الطفل كيف تجلس ثم كيف تحبو ثم تقف على قدمين ثم تخطو بضع خطوات وتترنح لتسير ناهيك عن التأتأة وتعلم الكلام .
لو أنني وصفت ما شاهدته في حينه في كل موقع دخلته بعد التحرير مباشرة لقلت ما لم ولن يقوله صديقي محمد عبد القادر ولأفجعت آمال الملايين التي تحن إلى الخرطوم ولأفسدت عليهم حتى فرحة الاحتفال بالنصر .
فالخرطوم اليوم بمدنها الثلاث زاهية نظيفة الشوارع الأسفلتية سالكة الطرق لا يعترض مسارك فيها إلا نقاط التأمين التابعة لقوات الشرطة والتي انتقلت إليها مهام تأمين النشاط والحياة العامة فيها وهي تقوم بدورها بكل مهنية واحتراف .
الذي ظل يراقب المدن الثلاث ويتجول فيها ويلاحظ التطورات على الأرض يوماً بعد يوم يعرف حجم المجهودات الجبارة التي بذلت من السلطات المحلية والولائية وجهود اللجنة ،فإزالة الأنقاض عموماً من الطرقات وفي مقدمتها السيارات المهشمة والمحترقة وحتى شبه السليمة وهي بعشرات الآلاف مهمة عسيرة وقد أنجزت في معظمها بسلاسة .ناهيك عن إصلاح شبكات المياه وبعض شبكات الكهرباء .

حاشية :
إن المقاربة التي أدعوا إليها اللجنة هي أن يكون مسماها أو مسعاها أو هدفها هو (التطبيع الكامل للحياة في ولاية الخرطوم ) ،وبذلك نتفادى الإيحاء بأن الخرطوم غير صالحة للحياة أو خالية من الوجود البشري مع أن حقيقة الأمر أن جل أحياء العاصمة المثلثة مسكونة الآن ولكن بنسب متفاوتة من المواطنين .
على اللجنة أن يكون هدفها إنسان الولاية الموجود وليس الغائب ،فالاهتمام بالمواطن الموجود وتقديم الخدمات له هو عامل الجذب الأهم لمن هو خارج حدود الولاية ،فالسؤال مثلاً لماذا توجد حتى الآن قطوعات مبرمجة للكهرباء بولاية الخرطوم مع أن المناطق التي تغطيها الشبكة تكاد تكون ثلث المدينة أو أقل وفي ظل ظروف وباء الملاريا وحمى الضنك حيث يفترض أن يكون الناس في الناموسيات المشبعة تحت المراوح والتكييف وليس في الحر وانقطاع الكهرباء ؟فطالما أن هناك قطوعات فالمواطن الذي لم يعود سيزداد قناعة بأن الكهرباء ستكون أكثر انقطاعاً إذا عاد وغذيت منطقته بالإمداد الكهربائي .
إذا كانت اللجنة حريصة على تمديد خدمات الكهرباء والماء لكل المناطق ،فإن إيصال المياه إلى أحياء معظم منازلها خاوية وبعض طرقاتها بها كسور في المياه قد فاقم من انتشار حمى الضنك والملاريا بتوفير البيئة المناسبة لتكاثر البعوض ،واذا كان الحرص على تشجيع الغائبين على العودة قد جعل سلطات التعليم والصحة بالولاية حسب تقديري تحرص على عدم تعطيل الدراسة لتفادي الانتشار الواسع لحمى الضنك التي تنتقل ببعوضة نهارية النشاط، فقد تفاقم الانتشار بين عشرات الآلاف من الطلاب والمعلمين في المدارس .وطالما أن الغائبين يتابعون أخبار الحاضرين في الولاية فلن يتشجعوا على العودة .
لابد من ربط خدمات المياه والكهرباء في كل حي بوجود أعداد مناسبة من المواطنين وتفويض لجان إدارية تتحمل مسؤولية التعامل السليم مع المياه حتى لا تتحول الى عامل مفاقمة للأوضاع الصحية .
فالمقاربة الصحيحة أن اهتموا بالمواطنين القاطنين بولاية الخرطوم وسينعكس ذلك على عودة الغائبين إيجابياً.ولنا عودة .

اترك رد

error: Content is protected !!