✍️ بروفيسور الاء حمدان
يقول الأثر الكريم “الحِكمة ضالةُ المؤمن، أنَّ وجدها فهو أحقُّ الناس بها” “يُؤْتِى ٱلْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلْأَلْبَٰبِ” صدق الله العظيم، ولا غرو إذن أن جُعلت الحكمة ضالة المؤمن، يبحث عنها في كل مكان، وحيثما وجدها يتبناها بقوة وإخلاص، لا يهم أين ولا مع من؟
ولعل القضية الأكثر جدلاً الآن هي ما يعرف بالاتفاق الإطاري الموقع بين المكوِّن العسكري وبعض القوى السياسية، هذا الاتفاق على هشاشته، كان الانقسام حوله هو الأكثر حدة، وبين مادحٍ وقادح، ومؤيدٍ ومعارض، وبكل أسى معظم التأييد والمعارضة يتم من غيرما موضوعية، يتحكَّم التعصب من غيرما تبصُّر، وكذلك المكاسب الشخصية والمصالح الحزبية أو الجهوية والقبلية الضيقة وأحياناً الطائفية.
ولكن لندع كل ذلك جانباً، ولننظر إلى الإطاري الذي لا يزال جنيناً يتخلَّق، ماذا يحتوي وماذا يحقق، للبلاد، من أمن واستقرار، وألا يكون كسابقاته، إداماناً للفشل وإيغالاً في الارتكاس، الذي يدفع بالبلاد إلى المزيد من التردِّي، منذ أن تسللت القوى السياسية من انتهازيي الأحزاب وسرقوا ثورة الشعب العظيمة وجيَّروها لمصالحهم وجيوبهم.
نعم نرحب بالاتفاق الإطاري وندعمه بغض النظر عن موقعيه إذا ما حوى في طياته سبل مواجهة وتجاوز التحدِّيات الكبيرة والقضايا التي ظلت مسكوتاً عنها، بسبب الخوف أو الطمع، تلك التي ظلت كالبقر المقدس، لا يقترب منه أحد، وأبرزها، جريمة فض الاعتصام، فهل الاتفاق الإطاري سيفتح التحقيق فيها بطريقة شجاعة وشفافة، وتحديد المسؤولين عنها، ابتداءً من صاحب الفكرة والذي أعطى الأوامر والذي شارك في التنفيذ، فالجريمة على بشاعتها ثابتة، ولن يجدي الإنكار، جريمة فض اعتصام القيادة العامّة، أو مجزرة القيادة العامة التي كانت فجر يوم الإثنينِ الموافق 3 يونيو 2019، فعملية فض الاعتصام هو جريمة العصر بكل ما يحمل هذا المصطلح من مدلول، فهل سنرى في ظل هذا الاتفاق إعلان نتائج التحقيق وتحديد المسؤولين وتقديمهم للعدالة مهما كانوا، بعد أن تلكأ المحامي نبيل أديب طويلاً؟! إن كان ذلك كذلك فنحن إطاريون حتى النخاع.
والقضية الثانية هي أن تنفض الأحزاب يدها من الحكم في الفترة الانتقالية، تأكيداً للشعار المرفوع ” العساكر للثكنات والاحزاب للانتخابات” وأن تأتي عناصر مستقلة تماماً مشهوداً لها بالوطنية والنزاهة، وبالتأكيد مبدئياً هناك خطأ شائع وفهم ملتبس لماهية الشخص المستقل، بأنه هو ذلك الشخص اللامنتمي، أو غير المنظم في حزب أو في جماعة، بل وأصبح الكل يدعي الاستقلال، وهو يمكن أن يكون محايداً أو سلبياً أو حتى “زول ساي” ولكن المصطلح “مستقل” اكتسب تعريفاً صارماً مع ظهور حركة المستقلين بجامعة الخرطوم في يوليو، أواخر سبعينات القرن الماضي، عندما كانوا يطلق عليهم “الفلوترز Floaters” أي “المسطِّحين” بلا اتجاه، كانت تسمية مهينة رفضها، الطلاب ونشأ وقتها مصطلح “مستقل” بتعريف جديد، وهو صاحب الرأي الحر والإرادة الحرة، ولا يفوِّض إرادته لأحد مهما كان، فهو دائماً أصيلاً عن نفسه وملتزم بما يؤمن به.
وشخص بهذه المواصفات من المستحيل أن ترشحه الأحزاب، فهي تريد شخصاً، ضعيفاً تستغله لاجنداتها، ومن جانب آخر فإن خروج القوات المسلحة من المشهد السياسي في هذه المرحلة غير منطقي وغير عملي، في وسط هذه السيولة السياسية والأمنية، وهذا مبحثٌ آخر نعود إليه.
والقضية الثالثة أو بالأحرى المعضلة الشائكة والتي يتحاشاها الجميع تقريباً، وهي إزالة الوضع الغريب لقوات الدعم السريع، والكثيرون ينادون بدمجها في القوات المسلحة، كأكثر الحلول قابلية للحل، ولكن الأصح هو حلها تماماً وتسريح عناصرها، وتوفيق أوضاعهم في المجتمع، ثم بعد ذلك يمكن استيعاب المؤهلين منهم في القوات المسلحة.
والقضية الرابعة هي تفكيك نظام الثلاثين ولا الثلاثون من يونيو عبر القانون والقضاء حتى تصبح الأحكام نهائية ولا يحدث ويتكرر ما حدث لها من قبل اللجنة السياسية والفساد الذي حدث، وهو في الواقع إنما كان تمكيناً لقوى بديلة حققت مصالحها الشخصية، وبعض قضاياها بين يدي القضاء.
وختاماً هل سيحقق الاتفاق الإطاري ما أشرنا إليه، وهل أتى في تفاصيله على أي من هذه القضايا المحورية، أم أن هذه المجموعة السياسية الصغيرة بحزب الأمة والتجمع الاتحادي والموتمر السوداني يريدون ان يصبحوا حكاماً من جديد ليعيدوا إنتاج الأزمة، وينزلق السودان إلى الدائرة الشريرة، بل وإلى ما هو أسوأ. “يتبع”