
ريثما تقوم القوات المسلحة السودانية بواجبها تجاه فرض سيطرتها على الأراضي السودانية وذلك بتحرير المدن والقرى السودانية من قبضة مليشيات الدعم السريع الإرهابية، تعمل الدبلوماسية السودانية على توثيق العلاقات مع دول المحيط الإقليمي. فتحرك الدبلوماسية السودانية نحو تعزيز المصالح الاستراتيجية مع الدول الإقليمية يعد من المحاور بالغة الأهمية، وذلك لقطع الطريق أمام أي تهديدات ومخاطر تمسّ الأمن القومي السوداني.
إن الناظر إلى الطبيعة الجغرافية للسودان يدرك تمامًا أن السودان يلعب دورا محوريا مهماً في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وخاصة للمنطقة العربية والأفريقية على حد سواء.
وفي الآونة الأخيرة، وبعد اشتعال الحرب في السودان، بدأت دول إقليمية بالتحرك لدعم الدولة السودانية ومؤسساتها لمنعها من الانهيار والمحافظة على التوازن في المنطقة. فنجد أن مصر قد بادرت بوضع رؤية استراتيجية واضحة لتعزيز العلاقات بين السودان والدول الإقليمية والدولية، وذلك من أجل دعم مسار استعادة الاستقرار في السودان والذي يشكل بالنسبة لمصر بعدين استراتيجيين رئيسيين لأمنها القومي.
كما نجد أن التحركات الدبلوماسية التي قامت بها الدولة السودانية قد أسفرت في تحقيق اختراقات مهمة في علاقات السودان مع دول من العيار الثقيل في المنطقة، فأدا ذلك إلى إحداث فارق كبير في طبيعة المعارك ما بين الجيش ومتمردين مليشيات الدعم السريع الأرهابية وصولاً الي إزالة خطرها من علي مناطق شاسعة من الدولة السودانية مما خلق تماسكا و التفاف مابين الشعب السوداني وجيشه ، وذلك بعد امتلاك الجيش للعدة والعتاد العسكري اللازم لتغيير موازين القوة على الأرض بعد أن حُرمت منه بصورة ممنهجة لفترة دامت حوالي ثمانية أشهر تقريبًا، نتيجة استخدام نفوذ دول معينة بدفعها مبالغ طائلة لمنع المصنعين من بيع العتاد العسكري للجيش السوداني.
فقد شاءت الأقدار عكس ما تم التخطيط له، حيث تمكن السودان من إحراز تقدم في علاقاته مع دول صديقة تكنّ للشعب السوداني تقديرًا خاصاً وإخاء عظيما. فنجد أن الاختراق الذي حققه السودان في ملف علاقته مع دولة الجزائر، حكومةً وشعبًا، فقد هبّت دولة الجزائر لمساعدة إخوتها من الشعب السوداني بطرق مختلفة. فمن خلال شغل الجزائر للمقعد الغير دائم في مجلس الأمن، قدمت الحكومة الجزائرية مرافعتها الأولى داخل مجلس الأمن الدولي في ٢١ مارس ٢٠٢٤م، مما أسهم في تدويل القضية السودانية في المحافل الإقليمية والدولية. كما فتحت قنوات للتواصل بين السودان ودول كبرى مثل روسيا التي استخدمت حق الفيتو في جلسة مجلس الأمن بتاريخ ١٨ نوفمبر ٢٠٢٤م لمنع التدخل الدولي في السودان.
وهناك العديد من المواقف الأخرى لدول صديقة مثل إريتريا وتركيا وغيرهما والتي يمكن سردها في مقالات أخرى.
بالرجوع لمغزى المقال، فقد ذكرت كل هذه المعلومات لإحياء ذاكرة القارئ وتزويده بالحقائق حول ما مر به السودان خلال السنتين الماضيتين من تحديات كبيرة أدت إلى الانتصارات التي نشهدها حالياً على عدة جبهات عسكرية وسياسية.
وفي صلب الموضوع:
كتابة هذا المقال جاءت لتسليط الضوء على أهمية تفاعل السودان دبلوماسياً مع دول الإقليم، خاصة بعد التحركات الأخيرة شهدناها للمملكة العربية السعودية في ملف الحرب في السودان. فمن خلال تتبع ورصد الأحداث، نجد أن النادي السياسي الخليجي قد أثر الدخول المباشر في ملف الحرب في السودان بتقديم رؤية وخارطة طريق جديدة لاستعادة الاستقرار في السودان بالتنسيق مع الجانب السوداني.
بلا شك، القطر السعودي يعد ثقلًا إقليميًا ودوليًا، سينقل ملف السودان إلى مرحلة جديدة، خصوصًا مع القمة المرتقبة بين الولايات المتحدة وروسيا في الرياض التي أعلنت عنها المملكة منذ مطلع فبراير ٢٠٢٥م. ومن المؤكد أن السعودية ستطرح ملفات متعددة خلال هذه القمة وسيكون ملف السودان حاضرا ضمنها بهدف تعزيز التهدئة في المنطقة.
وبالنظر إلى هذا السياق،يمكننا أن نقول بأن زيارة السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق البرهان للمملكة العربية السعودية كانت زيارة محورية وسوف يكون لها ما بعدها بالتأكيد، فكل المعطيات تشير إلى أنه هذه الزيارة قد اتت بعد التوافق علي خارطة الطريق المقدمة من قبل الجانب السعودي و التي تم التباحث فيها مع الجانب السوداني وبالتالي هذه الزيارة تاتي من اجل اكتمال الخطوات التنفيذية ولتأكيد حرص السودان علي الموافقة على الرؤية المقترحة من الجانب السعودي علي ان يتم اشراك الدولة السودانية في كل الخطوات التالية و ذلك من خلال المجلس التنسيقي الذي تمت تسميته من قبل الجانبين.