مكي المغربي
تحدث لي بعضهم عن تعامل بين البرهان وأمريكا، أو بالأحرى عبر السفير الأمريكي، يميزه عن باقي القيادة في السودان، وبه يستطيع الجام الجيش عن الاجهاز على المليشيا وفرض تسوية تشمل قحت والدعم السريع، وأن الصفاقة بلغت أن الثمن فك الطوق فقط لا غير، ثم تحسنت العروض بعد ذلك بسبب صمود الرجل.
قلت له قبل أن أفند هذا الافتراض، ياتو “تمييز أمريكي”؟ زي الشفناه يوم ملحمة الحرس الرئاسي ولا حاجة تانية؟ استشهد من الكتيبة الأعلى تدريبا أكثر من ثلاثين غدرا من العدو، إذ لا تسريب لا معلومة لا تبادل استخباري مع أمريكا ولا يحزنون، لقد أنقذ البرهان صباح 15 أبريل بسالة الحرس الرئاسي ورجالتهم وصلاتهم للفجر حاضرا فلم يكن هنالك أي “تمييز أمريكي” ولا “إسرائيلي”، وربما كان هنالك تواطؤ.
ولا أظن أن البرهان بعد كل تجاربه في العسكرية والسياسية يصدق أكذوبة التمييز الأمريكي، ومن المؤكد قد مرت عليه مقولة حسني مبارك “المتغطي بالأمريكان عريان”.
بصراحة وبسبب هذه الأوهام حول رعاية أمريكا للبرهان قلقت جدا على البرهان وعلى السودان، إذ لو صح هذا الافتراض فالرجل في أيدي غير أمينة إطلاقا، لأن أمريكا ممكن “تعوقك” بوصفة سياسية ضارة بك وببلادك وتتركك في الأرض مع السكاكين، وتبحث عن ضحية أخرى من الباحثين عن التمييز المتوهمين أن الوفاء صفة موجودة في السياسة الأمريكية الخارجية.
أمريكا أسوأ مخدم للعملاء، ويكفيك ما قاله الرئيس الباكستاني ضياء الحق – الذي قتلوه في النهاية – “التعامل مع أمريكا مثل تجارة الفحم لا تخرج منها إلا بسواد الوجه واليدين مع أرباح ضئيلة”.
منهجي مع أمريكا يقوم على التوصيف الدقيق والنهائي أن أمريكا (والمقصود هنا أمريكا الرسمية) لديها حالتان فقط، وقد رددت ذلك كثيرا في جلسات مع من هم حول البرهان طوال الفترة الانتقالية، أمريكا إما (عدو ضار) أو (صديق سيء)، ولا يوجد شيء اسمه (أمريكا صديق جيد) بالذات للرؤساء والسياسيين وعليه يستحسن أن تحتفظ بأمريكا (الرسمية) صديقا سيئا لأنه لا يوجد عاقل يبحث لبلده عن عداوة مع الدولة الأعنف، مبيدة الهنود الحمر وسفاحة هيروشيما وناجازاكي، ولذلك لا بد من التأقلم مع هذا الوضع بوجود ملف العلاقات الأمريكية في خانة “الصداقة السيئة” الإجبارية محروسا بمفاوضين وطنيين خالصين و أذكياء أشداء غير مرتشين ولا انتهازيين ولا طالبي هجرة وجنسية لهم ولأسرهم، وصفات أخرى التي لو تم التساهل فيها حا (يتقد الملف)، ولدي في ذلك شواهد كثيرة، بعضها اكتمل وبعضها (تحت التشطيب).
بعد تقوية الملف الرسمي واحتواء المخاطر فيه -هذا لم يحدث مطلقا في كل العهود السابقة والتركة السيئة كبيرة جدا- بعد التقوية تستطيع الدولة ومؤسساتها اللعب في مجال واسع مع أمريكا كمجتمع إقتصادي وثقافي وسياسي فيه تيارات متصارعة مثل المحيط المتلاطم إذا لم تتعامل معها يمكن لأحد التيارات أن (يضعك في راسه) إيجابيا فترتفع أوسلبيا فتنخفض ويتم تصويرك عدوا خطيرا، وتتحرك من خانة الصداقة للعداوة، ثم تعود للبحث عن مخرج مثل لعبة السلم والثعبان.
أما لو جودت الدولة التعامل مع بعض هذه التيارات تستطيع أن تخفف السوء الموجود في أمريكا الرسمية .. أكرر تخفيف وليس ازالة.
أمريكا ليست صديقا جيدا لأحد، ولا حتى اسرائيل، لأنهم يشتكون حاليا من التقارب الأمريكي الايراني، وعموما هم يفضلون الجمهوريين في الداخل الاسرائيلي، ويفضلون الديموقراطيين في غالب يهود أمريكا.
بعضهم خاصة من الجيل الذي استفاد من تحسن محدود في (منتصف السبعينات الى مطلع الثمانينات) يمتدح أمريكا بعقلية المتسول للمنح الدراسية والاغاثة ويصور لك هذا التعاون انه (صداقة جيدة) هذا النوع من الناس لا يعرف شيئا عن الصراع الدولي وادواته ومستوياته.
ما حدث من تحسن طاريء لم يقنع أمريكا أن توافق على دخول السودان عهد النفط والأمر كان يتطلب مفاوضات وأخذ ورد، وليس تدبيج قصائد عن المعونة الأمريكية وبعثات ويسكونسون وكاليفورنيا التي حضر فيها نافع علي نافع الماجستير والدكتوراة في الزراعة،
وكذلك عوض الجاز في الإدارة، وكان أكثر تطوعه في أمريكا عندما كان طالبا غسل وتكفين المسلمين، قوة قلب حتى في عمل الخير والصدقات .. أعملوا حسابكم ما تدخلوا في مغامرات مع الجماعة ديل.