
لم يكن “دوري النخبة” مجرد منافسة رياضية تُقام في ملاعب الكرة، بل كان حدثًا وطنيًا استثنائيًا حمل بين طياته رسائل أعمق من أهداف تُسجل أو كؤوس تُرفع. لقد أعاد هذا الدوري للملاعب السودانية بريقها، وفتح الأبواب لعودة الحياة إلى مدرجات ظلت خالية لفترة طويلة بفعل الظروف القاسية التي مرت بها البلاد.
الجماهير عادت، الهتافات صدحت، وأعلام الأندية رفرفت من جديد في سماء الوطن، معلنة أن هذا الشعب ما زال قادرًا على الفرح، وأن للكرة دورًا يفوق الترفيه والمتعة، فهي قادرة على بث الأمل والإحساس بالأمان. لقد شكّل هذا الحدث الرياضي مشهدًا بصريًا ومعنويًا عكس صورة جديدة عن السودان، بلدًا يتطلع للخروج من رماد الحرب، وينشد الحياة من بوابة الرياضة.
لا نتحدث هنا فقط عن الروح التنافسية العالية أو الرباعية التاريخية التي حققها الهلال في شباك غريمه التقليدي، بل نتحدث عن رسالة أوسع وأبلغ. فلأول مرة منذ زمن طويل، عاد المواطن السوداني ليتابع بشغف، ويملأ المدرجات، ويعيش لحظة انتصارٍ معنوي، لا يقل في أهميته عن أي إنجاز سياسي أو اقتصادي.
التجربة تذكرنا بما حدث في العراق بعد سنوات من الحرب، حين أقيمت مباريات الدوري العراقي بحضور جماهيري كبير، كانت المباراة حينها إعلانًا صامتًا عن عودة الدولة والمجتمع. وكما فعلت الجزائر حين راهنت على كأس إفريقيا 2019 لإعادة اللحمة الوطنية، جاء دوري النخبة ليؤكد أن كرة القدم ليست لعبة فقط، بل هي منصة لوحدة المجتمع، ومتنفس شعبي، ورسالة سياسية بليغة تقول: “نحن هنا… نعيش ونحلم وننتصر”.
شكراً للاتحاد السوداني لكرة القدم على هذا التنظيم المميز، رغم التحديات. شكراً لأنديتنا على وطنيتها، وللجمهور الذي لم يخذلنا، وللإعلام الرياضي الذي، رغم ضعف الإمكانيات وضعف جودة الصورة، أصرّ على أن يكون جزءاً من هذا الحدث المهم. وشكراً لنادي الهلال والمريخ وبقية الأندية التي أسهمت في صناعة هذا المشهد النابض بالحياة.
لقد قدّمت كرة القدم للسودان ما لم تقدمه المؤتمرات والخطب، ونجحت في إيصال رسالة بسيطة وعميقة: يمكننا أن ننهض… فقط دعونا نلعب.