أزمة الطاقة في أوروبا تتلقى صدمة جديدة من قطر والصين .. الدولتان ترفضان تحويل شحنات الغاز إلى القارة العجوز في الشتاء
الخرطوم : الرواية الأولى
منصة الطاقة
ياسر نصر – مي مجدي
يبدو أن أزمة الطاقة في أوروبا مهددة بمزيد من التعقيد خلال فصل الشتاء، مع تراجع الإمدادات من روسيا، ورفض دول أخرى -في مقدمتها قطر والصين- تحويل المزيد من الشحنات إلى القارة العجوز.
وعلى الرغم من أن عددًا كبيرًا من دول الاتحاد أعلن قرب امتلاء مخزونات الغاز، فإن عدم توفير بدائل للغاز الروسي يهدّد بشتاء أكثر برودة، وتصاعد الأزمات خلال المدة المقبلة.
فقد أعلنت قطر أنها لن تحوّل الغاز الطبيعي المسال المتعاقد عليه مع مشترين آسيويين إلى أوروبا خلال الشتاء المقبل.
وتصاعدت أزمة الطاقة في أوروبا مع زيادة كبيرة في أسعار الغاز والكهرباء وانخفاض إمدادات الوقود، بعد وقف روسيا إمدادات الغاز منذ غزوها لأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي.
كما قررت الصين وقف صادرات الغاز المسال إلى أوروبا وآسيا، من أجل تأمين احتياجاتها المحلية خلال ذروة الطلب في موسم الشتاء.
الإمدادات من الصين
تلقت القارة العجوز صدمة بإعلان الصين وقف تصدير الغاز المسال إلى أوروبا وآسيا، ما يهدّد بتصاعد أزمة الطاقة في أوروبا خلال الأشهر المقبلة.
وتُعَد أوروبا أكبر المستفيدين من شحنات الغاز المسال الصينية خلال 2022، إذ تمكّنت من شراء العديد من الشحنات من السوق الفورية، كما أعادت بكين بيع عدد من الشحنات التي كانت متعاقدة عليها إلى أوروبا.
يأتي ذلك وسط توقعات بزيادة الطلب على الغاز المسال الفوري، وشتاء أكثر برودة في نصف الكرة الشمالي، وتقليص إمدادات خطوط الأنابيب الروسية إلى القارة العجوز.
وتسبّبت الحرب على أوكرانيا في تأجيج أزمة الطاقة في أوروبا مع نقص الإمدادات الروسية، وزيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال، ما دفع أسعاره إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.
موقف قطر
قال وزير الطاقة القطري، الرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة، سعد بن شريدة الكعبي: إن “قطر ملتزمة قطعًا باحترام العقود.. عندما نبرم اتفاقًا مع مشترٍ آسيوي أو أوروبي، فإننا نلتزم بالاتفاق”.
وتعمل شركة قطر للطاقة على توسيع إنتاج الغاز وعمليات التجارة مع زيادة الطلب العالمي، إذ تخطط لتصبح أكبر شركة غاز مسال حول العالم.
وتُعَد قطر من بين أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، ودخلت عدة دول أوروبية في محادثات معها لتقليل اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية.
وشدد وزير الطاقة القطري على أن حجم الغاز المصدر إلى أوروبا هو ما حُدّد واتُّفق عليه سابقًا دون أي زيادات، نافيًا عزم شركة قطر للطاقة تحويل أي من الشحنات المخصصة للعملاء في آسيا باتجاه أوروبا.
تداعيات قرارات الصين وقطر على أوروبا
يرى كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة في واشنطن الدكتور أومود شوكري، أن الصين بدأت بيع الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بسبب تفاقم أزمة الطاقة خلال الأشهر الماضية، وبذلك أدى بيع الغاز المسال المستورد من بعض الدول، مثل قطر والصين، دورًا رئيسًا في تعزيز أمن الطاقة بأوروبا.
وأضاف أن قطر تحاول تعزيز دورها في توفير أمن الطاقة العالمي بصفتها أكبر منتج للغاز المسال في العالم، إذ تؤدي الطاقة دورًا مهمًا في سياسة قطر الخارجية، وتستغل صادراتها من الطاقة لتوسيع علاقاتها مع الدول الأخرى.
وقال -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- : “بالنظر إلى علاقات قطر مع الصين والزيادة في الطلب بشرق آسيا، يطمح معظم منتجي الغاز المسال في تعزيز وجودهم بسوق شرق آسيا، لذا تريد قطر التركيز أكثر على هذه السوق”.
وأشار إلى أن إعادة تصدير الغاز المسال من الصين إلى أوروبا ساعدت الدول الأوروبية على ملء جزء من احتياطياتها، على الرغم من أن احتياطيات الغاز الطبيعي في القارة العجوز لا تستطيع تلبية احتياجات هذه الدول بالكامل خلال فصل الشتاء.
وأوضح شوكري -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن قرار الصين عدم بيع الغاز المسال إلى أوروبا يمكن أن يتسبّب في اتساع نطاق أزمة الطاقة، مؤكدًا أن أوروبا ستواجه شتاءً قارسًا في جميع الأحوال.
“أما قرار قطر عدم تغيير وجهة تصدير الغاز الطبيعي المسال فسيزيد من المصاعب التي ستواجه أوروبا في الشتاء المقبل”، على حد قوله.
واستطرد موضحًا: “مع الأخذ في الحسبان أن احتياطيات أوروبا لا يمكنها تلبية احتياجات الدول في فصل الشتاء، فلا ينبغي توقع أن يؤدي ملء الاحتياطيات إلى اتخاذ أوروبا قرارًا خطيرًا بشأن أزمة الطاقة.. الأمر المهم إذا لم تصدر روسيا الغاز إلى أوروبا، ما هي المصادر التي ستلجأ إليها القارة لملء الاحتياطيات بدءًا من الربيع أو الصيف المقبل؟”.
وأضاف شوكري أن أوروبا ليس لديها بديل للغاز الطبيعي الروسي على المدى القصير، ويمكن أن تساعد زيادة استيراد الغاز من البلدان الأفريقية وأذريبجان، إلى جانب زيادة استيراد الغاز المسال من الولايات المتحدة وأستراليا، في تعزيز أمن الطاقة بالقارة العجوز.
وأضاف -في تصريحات إلى منصة الطاقة- أن قطر يمكنها تصدير المزيد من الغاز المسال إلى أوروبا في عام 2027.
وفي الوقت نفسه، أشار شوكري إلى أن تحول الطاقة “عملية تستغرق وقتًا طويلًا، وحاجة أوروبا إلى الوقود الأحفوري في الوقت الحالي”.
وردًا على سؤال يتعلق باحتمال تخلي أوروبا عن قناعاتها واللجوء إلى العقود طويلة الأجل -التي تفضّلها قطر- لتأمين احتياجاتها، قال شوكري: “بالنظر إلى ديناميكيات السوق واستمرار أزمة الطاقة في أوروبا، يُوصى بالموافقة على شروط بيع الدول المنتجة للطاقة، لأنه ليس من السهل إيجاد بديل في السوق”.
حقل الشمال
وقّعت شركة قطر للطاقة، المملوكة للدولة، في وقت سابق من هذا العام صفقات لتوسعة حقل الشمال الذي يُعَد أكبر مشروع غاز مسال في العالم.
ويهدف مشروع التوسعة إلى جعل قطر للطاقة أكبر متداول للغاز الطبيعي المسال في العالم، فضلًا عن خطط للاستحواذ على شركات تحارية.
وتتضمّن خطة توسعة حقل الشمال زيادة قدرات إسالة الغاز في قطر من 77 مليون طن سنويًا إلى 126 مليون طن بحلول عام 2027.
الإمدادات الروسية
تتجه قطر إلى ترسيخ مكانتها بصفتها أكبر مورد، في الوقت الذي تتسابق فيه أوروبا لاستبدال غاز خط الأنابيب الروسي الذي يشكّل ما يقرب من 40% من واردات القارة العجوز، التي تراجعت بشدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط والعقوبات الغربية ضد موسكو.
وترى قطر أنه لا يمكن تخطي أزمة الطاقة في أوروبا، دون الاعتماد على واردات الغاز الروسي، الذي يؤمّن نسبة كبيرة من احتياجات القارة، ويدعم أمنها الطاقي.
وقال وزير الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي، إن التحدي الأصعب سيأتي في عام 2023 وما بعده مع نفاد الاحتياطيات، إذ إن لدى أوروبا حاليًا ما يكفي من الغاز للطاقة والتدفئة خلال هذا الشتاء.
وأضاف الكعبي: “الوضع سيكون أسوأ بكثير العام المقبل، إذا كان هناك شتاء قاسٍ”، موضحًا أن أزمة الطاقة قد تمتد إلى منتصف العقد إذا استمرت الحرب في أوكرانيا ولم يبدأ الغاز في التدفق مرة أخرى من روسيا.
وشدد الكعبي على أنه من الصعب تصور مستقبل أمن الطاقة في أوروبا دون تدفق الغاز الروسي، قائلًا: “أعتقد أن المشكلة ستكون ضخمة ولمدة طويلة جدًا.. إذ لا يوجد حجم كافٍ لاستبدال هذا الغاز على المدى الطويل، إلا إذا بُنيت محطات نووية ضخمة، والسماح باستخدام الفحم، وحرق زيت الوقود في محطات الكهرباء”.
تحديات أمن الطاقة في أوروبا
زوّدت روسيا دول الاتحاد الأوروبي بنحو 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي العام الماضي، أي نحو 40% من إجمالي استهلاك الاتحاد من الغاز.
وتأمل بروكسل في تقليل الاعتماد من خلال زيادة الإمداد بالأنابيب من دول مثل الجزائر والنرويج، بالإضافة إلى زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال بصفة كبيرة من مناطق أبعد.
ويتطلّب استبدال كل الغاز الروسي في أوروبا نحو 112 مليون طن سنويًا من الغاز الطبيعي المسال، أي ما يعادل ثلث السوق اليوم بالكامل، وفقًا لبيرنشتاين للأبحاث.
وقالت قطر -التي تشحن تقليديًا 70% من الغاز الطبيعي المسال إلى عملاء آسيويين بعقود ثابتة طويلة الأجل- في وقت سابق، إنها ستكون قادرة على تحويل 10 إلى 15% فقط من الإنتاج الحالي إلى أوروبا حتى تُشغّل مشروعات جديدة.
وأكد الكعبي أنه لا توجد مشروعات غاز جديدة كبيرة على مستوى العالم ستبدأ الإنتاج حتى عام 2025، إذ يُتوقع أن يضيف مشروع غولدن باس المشترك بين قطر للطاقة وإكسون موبيل 16 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا إلى السوق.
عقود الغاز
تفضّل شركة قطر للطاقة بيع غازها من خلال عقود طويلة الأجل، ما يمنحها اليقين، إذ تستثمر مليارات الدولارات في البنية التحتية للطاقة.
وتنفق قطر ما يقرب من 30 مليار دولار لتوسيع حقلها الشمالي، أكبر حقل غاز في العالم، لزيادة طاقتها الإنتاجية السنوية من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن إلى 126 مليون طن بحلول عام 2027.
ووقّعت قطر اتفاقًا مع ألمانيا في مارس/آذار، لكن المحادثات تعثرت بسبب الخلافات حول طول العقود.
وتُجري الدوحة مناقشات مع فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وبولندا وسلوفاكيا حول توسيع الصادرات إلى تلك البلدان.
وترى أوروبا أنها ليست في حاجة إلى الغاز لمدة طويلة، إذ تعقد آمالًا كبيرة في أن تتمكّن القارة من الابتعاد عن الوقود الأحفوري والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.