(1)
نفذ الإسلاميون انقلاب يونيو 1989 بدواعي دفع مشروع الحركة الشعبية الشوفوني، وان الغرب لن يسمح للديمقراطية أن تثمر نظام إسلاميا، وان مذكرة قيادة الجيش في فبراير 1989 وضعت السودان أمام خيار الانقلاب المحض واهتبل الإسلاميون السانحة وصعدوا بزاوية حادة إلى منصة الحكم على النحو الذي تعلمون.
(2)
حصاد تجربة الحركة الاسلامية بعد ثلاثين عاما من الحكم، انفصال الجنوب وتاجيج النزعات الهوياتية حتى يكاد أن يتشظى السودان على أساس هوياتي، وتحرر من مشروع الحركة الإسلامية ولم يبق منه إلا القشور والشعارات وبعض الرموز التي تدور حول مركز وهرم السلطة،وانتهت شعارات توحيد الإنسانية الا تشظي التيار الإسلامي، وانتهت شعارات العزة والتحرر الى اذعان للغرب والدول الاقطاعية في المحيط الاقليمي، وثالثة الاثافي إلى تهافت للاستمرار في السلطة عبر ذات المحاور الإقليمية والدولية والتي كان هدفها الاستراتيجي دوما إحتثاث تجربة المشروع الإسلامي حتى بعد أن سقطت من الوجدان والعقل الجمعي وغدت محض سلطة لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا، فقد رسخ في التفكير الغربي المؤسس على أفكار صدام الحضارات ونهاية التاريخ ان تجليات الحضارة الغربية المعاصرة والمارقة عن الدين هي الاصل في السيادة والصيرورة، وأي تجربة في الحكم تستوي قمحا على هوادي الدين تعني تفكيك محرمات الحضارة الغربية وينبغي أن تسقط، وكذلك فان اثمار تجربة الاسلاميين في الحكم تعني حفز مجتمعات الدول العربية على التحرر من انظمة الاستبداد والتبعية الاقطاعية.
أن أسوأ ما في تجربة الحركة الإسلامية في الحكم إقصاء المرجعية والرمزية الفكرية، واختزالها في قيادات تنفيذية براغماتية وضعف استكناه قاعدتها الاجتماعية لرؤيتها وغاياتها في محيط نظام عالمي آحادي مزهوا بالانتصار الحضاري على الإمبراطورية السوفياتية،
(3)
ثم وقع الكل في الفخ توظيف حماة النظام الشارع الثوري لإسقاط رمز النظام للإنفراد بالسلطة، ثم توظيف الشارع وبعض حماة النظام لإسقاط وإقصاء عناصر من حماة النظام. ثم توظيف الخارج للكل لصالح أجندته التفكيكية الهدامة، وهكذا سقطت تجربة الإنقاذ من ذات المحاذير التي ساقتها للصعود للحكم بادي ذي بدء. ان أروع ما في انتفاضات أكتوبر 1964 وابريل 1985 كانتا هبات وطنية محضة دون ارتهان أو تبعية للخارج ولكن الآن كل قضايا المصير الوطني بيد الخارجي والذي يتفاعل معها من منظور ايديولوجي سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الوطنية
(4)
لعل الخلاصات من التجربة تكمن في الا حصانة لفكرة أو ثورة الا عبر روافع المجتمع والديمقراطية، وقد استوت سيقان رؤية الحركة الإسلامية على ضرورة التماهي والذوبان في المجتمع كذوبان الصوفي في العبادة.
وكما ذكرت من قبل أن التاريخ والمجتمع لن يغفر للتيار الاسلامي إذا تهاوى السودان في اتون التفكك والانهيار، وإن تحديات التحرير من حبائل الأجندة الخارجية الخبيثة وسودنة قضايا البناء الوطني الديمقراطي تقتضي ان يستعيد التيار الإسلامي الثقة مع قاعدته الاجتماعية والثقة مع المجتمع السوداني، والثقة مع كل الأحزاب السياسية الوطنية ولا خيار أمام التيار الاسلامي الوطني لانجاز هذه الغايات الوطنية الا بمزيد من الحوار والتوافق والثقة وتعظيم الشراكة والذوبان في المجتمع من جديد، والنأي الاستراتيجي عن سياسة حرق المراحل وتأسيس شراكة وثنائيات تنتج نظام استبدادي جديد ومن جرب المجرب حاقت به الندامة، فليكن شعار التيار الإسلامي الاستراتيجي الحوار والشراكة وقديما قال الدكتور الترابي احاور ولا أيأس.