
في خضم الأزمة السودانية المتفاقمة، يطفو على السطح سؤال بالغ الأهمية: هل يمكن للسودان أن يصنع حله الداخلي بأدواته الذاتية، أم أن الطريق إلى السلام يمر عبر روشتة مستوردة؟ هذا السؤال لا يعكس فقط واقع الانقسامات السياسية والاجتماعية، بل يكشف أيضاً عن غياب رؤية استراتيجية واضحة لدى الدولة السودانية لمواجهة الأجندات الخارجية التي تتسلل عبر ثغرات الداخل.
إن مشهد القوى السياسية والمدنية في السودان يتسم باستقطاب حاد، حيث تتنازع الأطراف على الشرعية والتمثيل، بينما تتغذى الحرب من الخارج وتُدار بأدوات محلية. هذا الواقع يضعف قدرة الفاعلين المحليين على صياغة حل وطني جامع، ويجعل من الروشتات الخارجية خياراً مطروحاً، وإن كان مشوباً بالريبة. فهل يمكن لحل يُصاغ خارج حدود الوطن أن يستجيب لتطلعات شعبه؟
غياب وحدة الصف الداخلي، وتفكك المؤسسات، وتكرار أخطاء الماضي، كلها عوامل تجعل من الداخل بيئة غير مؤهلة لصناعة السلام دون تدخل خارجي. لكن هذا التدخل، مهما بدا ضرورياً، يظل محكوماً بأجندات لا تعكس بالضرورة مصالح السودانيين، بل مصالح الأطراف الدولية التي ترى في السودان ساحة نفوذ لا أكثر.
المؤسسة العسكرية، التي يفترض أن تكون صمام أمان للوطن، تواجه تحديات جسيمة في لعب دور إيجابي في صناعة السلام المجتمعي. فبدلاً من أن تكون حامية للعملية السياسية، أقحمت و أصبحت طرفاً فيها، ما يضعف قدرتها على مواجهة التحديات الخارجية والداخلية في آن واحد. إعادة تعريف دورها في المرحلة القادمة أمر لا بد منه، إن أراد السودان أن يخرج من دائرة الصراع.
أما الشارع السوداني، فهو يطالب بحلول واقعية، نابعة من الداخل، تعكس تطلعاته في الأمن والعدالة والكرامة. لكنه يواجه عجزاً في التأثير، نتيجة لتشتت القوى المدنية، وانعدام الثقة بينها، وغياب قيادة موحدة قادرة على ترجمة مطالبه إلى مشروع سياسي جامع.
في المحصلة، الروشتة المستوردة قد توفر منبراً للحوار، لكنها لا تصنع إرادة وطنية. فالحل الحقيقي يبدأ من الداخل، من الاعتراف بالواقع، ومن الشجاعة في مواجهة الذات قبل الآخر. السودان لا يحتاج إلى وصفات جاهزة، بل إلى إرادة حرة، ورؤية استراتيجية، تقوده نحو السلام الذي يصنعه أبناؤه، لا الذي يُفرض عليه من الخارج.
محمد الحاج
١٣ اكتوبر ٢٠٢٥م