الرواية الأولى

نروي لتعرف

هموم وقضايا / السفير د. معاوية التوم

هدنة الغزاة تصطدم برسائل البرهان: لا وقف لإطلاق النار قبل دحر العدو !؟

السفير د. معاوية التوم

في وقتٍ تمضي فيه بعض الدوائر الدولية والإقليمية في محاولات متكررة لفرض هدنة تُبقي على الوضع القائم وتمنح المليشيا متنفسًا لإعادة التموضع والتقاط الأنفاس، جاءت رسائل الفريق أول عبد الفتاح البرهان اليوم الخميس حاسمةً وواضحة، لتؤكد أن الجيش السوداني ماضٍ في معركته الوطنية حتى تطهير المدن ودحر الغزاة، وان هذه الحرب هي حرب الشعب السودان يخوضها وسينتصر، ولن يهزم أو ينكسر. وأن أي مبادرة لا تراعي محددات الشعب ومزاجه العام، إنما تخدم أجندة العدوان الخارجي الذي يستهدف سيادة السودان ، أمنه ووحدته وسلامة أراضيه.

تصريحات البرهان اليوم، والتي جاءت متزامنة مع ضغوط الرباعية او الخماسية ، تريد فرض الموقف الماثل كواقع لا فكاك منه ، ودعوة المبعوث الأميركي لوقف إطلاق النار على هذا النحو الوصائي، سعت لرسم المشهد السياسي والعسكري على طريقة الكاوبوي. ولكنها ارتطمت بجيش مهني احترافي عصي على الترويض فبمقابل مجموعة وظيفية، حيث شدّد القائد العام البرهان على أن السلام لا يُنتزع في غرف التفاوض المشبوهة، بل يُصنع بإرادة الشعب وصمود جيشه في الميدان، في إشارةٍ إلى أن زمن المساومات على حساب كرامة الوطن قد ولّى إلى غير رجعة.

البيئة الميدانية والسياسية الحالية تكشف عن تلاقٍ غير مسبوق بين القرار العسكري والإرادة الشعبية والوعي الدبلوماسي الوطني والمسار الإعلامي على خلفية التعبئة التي تنتظم البلاد. فالمعارك التي تخوضها القوات المسلحة ليست مجرد معارك جغرافية، بل هي معارك سيادة وكرامة وهوية، في مواجهة غزو لمليشيا مدعومة من قوى خارجية تراهن على تفكيك الدولة وإعادة إنتاج الفوضى في السودان وابقاء حالة الهشاشة واللا استقرار في المنطقة.

لقد أراد البرهان برسائله الأخيرة أن يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الحقيقية بموجب الميثاق : فإما الانحياز للشرعية والدولة، وإما البقاء في خانة التواطؤ مع التمرد. فالهدنة التي تتحدث عنها بعض القوى لم تأتِ من منطلق إنساني خالص، بل من حسابات سياسية وأمنية هدفها منع سقوط المليشيا وتوفير حماية لأذرعها وامتداداتها الإقليمية. وهو ما رفضته القيادة العسكرية بوضوح، مؤكدة أن إخراج المليشيا من المدن وجمع سلاحها شرطٌ لأي نقاش حول وقف إطلاق النار.

على الصعيد الدبلوماسي، تشهد الساحة الخارجية حراكًا كثيفًا لإعادة قراءة المشهد السوداني في ضوء المتغيرات الجديدة؛ فمواقف مجلس الأمن والدفاع باتت تمثل الإطار الوطني الجامع الذي يعكس صوت الدولة لا صوت المجموعات أو الوسطاء، فيما تتعزز في المقابل الحملة الشعبية والإعلامية التي تفضح أبعاد المخطط الخارجي وتعيد تعريف القضية السودانية على حقيقتها: حرب فرضها الغزاة لا نزاعًا داخليًا كما يروّج البعض.

ومع استمرار التعبئة العامة، تبدو القيادة أكثر تماسكًا في توجيه رسائلها إلى الداخل والخارج: لا مجال لتجزئة الموقف الوطني، ولا تفويض لمن يتحدث باسم السودان خارج مؤسساته. فالمعركة اليوم هي معركة كرامة وسيادة ومصير، لا مقايضة فيها على حساب دماء الشهداء وآلام الضحايا من المدنيين أو وحدة التراب الوطني.

وفي ظل هذا التماسك السياسي والعسكري والشعبي، تتهاوى محاولات فرض الهدنة المريبة، إذ أثبتت التجربة أن كل هدنة مفروضة من الخارج كانت مدخلًا لتوسيع رقعة العدوان وتخفيف الضغط عن المليشيا، ومنحها الفرصة للنهب والسلب والتمدد. لذا جاء موقف القيادة بمثابة إعادة تعريف للمفهوم الوطني للسلام: سلام يُبنى على النصر لا على الاستسلام والانكسار .

ختامًا، فإن رسائل البرهان ليست مجرد تصريحات ظرفية، بل هي موقف دولةٍ قررت أن تكتب مصيرها بيدها، وأن تُعيد للعالم تذكيرًا بمعنى الكرامة والسيادة في زمنٍ تتبدل فيه الموازين. بعض العواصم الغربية ما تزال تنظر إلى الأزمة من زاوية إنسانية سطحية، متجاهلة جذور العدوان، بينما مواقف أفريقية وعربية بدأت تميل أكثر نحو فهم حقيقة ما يجري: تمرد مسلح مدعوم خارجياً ضد دولة شرعية.
لذا فان هدنة الغزاة قد تتكرر محاولاتها، لكن الثابت أن السودان — بجيشه وشعبه وإرادته الماضية وعزيمته الحرة في دحر التمرد وداعميه وكتابة النصر — قد حسمت خيارها: لا هدنة قبل دحر العدو وتطهير التراب الوطني.. فلتهنأ الرباعية بالهدنة التكتيكية الكيدية التي صممتها لإظهار العدو الماكر بالحريص على السلام ، وسيبقى التزام الجيش بهزيمة التمرد ،فيما يبقى صدى مدافع التحرير هو من يرتد الى آذان ومسامع من وضعوها.
—————
٦ نوفمبر ٢٩٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!