الخرطوم : الرواية الاولى
1.من نحن؟
نحن مجموعة من أبناء و بنات السودان غير المنتمين حزبيا و المهمومين بالشأن الوطني العام و القلقين على مستقبل السودان نرى أن السودان ظل يعيش في حالة صراع حول السلطة منذ إستقلاله في 1 يناير 1956م و استمرت معدلات التدهور السياسي والإقتصاديوالإجتماعي والثقافي في تزايد مستمر و لم تعرف بلادنا طريق التنمية الشاملة والتطور والتقدم.
إننا نعتقد أن السبب الرئيسي لهذا الدوار السياسي التاريخي الذي نعيشه حتى اليوم هو غياب المشروع الوطني الشامل الذي تتفق عليه أغلبية أبناء وبنات السودان وتلتزم بتطبيقه على الواقع لإنتشال شعبنا من مستنقع الفقر والبؤس
لذلك بدأنا في وضع الملامح الرئيسية للمشروع الوطني الشامل حسب رؤيتنا ولكننا توقفنا الآن لكي نساهم بالرأي فيما يدور حالياً على المسرح السياسي من معالجات أزمة السلطة في السودان وتجدون في هذه الورقة رأينا ملخصاً في السطور القادمة و التي تدور حول قناعتنا بأن الحل السياسي هو الحل الوحيد المتاح حاليا وفقا للأوضاع المحلية و الإقليمية والدولية لمعالجة أزمة السلطة في السودان.
وسنواصل في صياغة الملامح الرئيسية للمشروع الوطني الشامل الذي لا يمكن الحوار حوله إلا إذا حدث إستقرار سياسي في ظل سلطة مدنية ديموقراطية كاملة
2.الغرض من الورقة
إن الغرض من هذه الورقة هو دعم مسار الحل السياسي لأزمة السلطة في السودان الذي بدأ بتوقيع الإتفاق الإطاري في 5/12/2022 بمخاطبة القوى السياسية الفاعلة في إطار مسار الحل السياسي سواء كانت من الطرف المدني أو العسكري بما نراه حول تحديات مسار الحل السياسي.
3.الهدف من الورقة
يهدف الجهد الذي تقدمه مجموعتنا إلى المساهمة مع الآخرين في ضمان نجاح الحل السياسي وعدم فشله لأن فشله يعني دخول الوطن في نفق مظلم لا أحد يعرف دهاليزه وسنفقد السودان الدولة والوطن وحينها لن يكون هناك رابح فالكل سيكون خاسر .
إن هدفنا هو ان تدرك جميع مكونات المجتمع السوداني و جميع القوى والعناصر السياسية الفاعلة أنه ليس أمامنا إلا خيار نجاح مسار الحل السياسي ويجب أن نتعاون جميعا لضمان هذا النجاح بكل الأساليب المتاحة.
4.تحديات الإتفاق النهائي
نعتقد أن الإتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بين المكون العسكري وبعض المكونات المدنية في يوم 5/12/2022م يعتبر خطوة في الإتجاه الصحيح نحو الحل السياسي لأزمة السلطة و لكن تكمن التحديات الحقيقية في القضايا الأربع التي سيتم التفاوض حولها بالإتفاق النهائي، لذلك نرى أن نبذل جهداً فكرياً وسياسياً مكثفاً لمعالجة القضايا الأربعوضمان عدم تسبب تفاصيل تلك القضايا في نسف كامل مسارالحل السياسي .
سنتناول فيما يلي القضايا الأربع وهي :
• العدالة و العدالة الإنتقالية .
• الإصلاح الأمني و العسكري .
• إتفاق جوبا للسلام .
• تفكيك نظام الثلاثون من يونيو .
وسنستعرض فيما يلي كل من القضايا الأربع المذكورة سابقاً بشيء من التفصيل .
العدالة والعدالة الإنتقالية
جاء النص الخاص بهذه القضية بالإتفاق الإطاري على النحو التالي:
العدالة والعدالة الانتقالية:- وهي قضية تحتاج لمشاركة أصحاب المصلحة و أسر الشهداء على أن تشمل كافة الذين تضرروا من إنتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989و حتى الآن .
يستنتج من النص المذكور أعلاه أن مسألة العدالة و العدالة الإنتقالية قد وضعت في الإتفاق الإطاري بمفهوم (عدم الإفلات من العقاب) مخاطبة للشارع السوداني.
بداية يجب أن نقر بأن قضية العدالة و العدالة الإنتقالية هي قضية طويلة المدى يمكن أن تستمر لسنوات عديدة و تتجاوز الفترة الزمنية المحددة لمرحلة الإنتقال و لكن علينا أن نبدأ بالخطوة الأولي الصحيحة في المسار الصحيح لإنجاز العدالة الإننتقالية بالمفهوم السياسي و القانوني المتقدم، و هذا لن يتم إلا بالإستفادة من تجارب الدول التي مرت بأوضاع مشابهة أوضاعنا الحالية.
إن الرأي العام السوداني مشحون بمفاهيم خاطئة حول قضية العدالة و العدالة الإنتقالية تتبلور في محاكمة الذين أجرموا في حق الشعب السوداني أثناء و بعد ثورة ديسمبر 2018 و حتى الآن و قد ساهم بعض قادة العمل السياسي في ترسيخ هذا المفهوم الخاطئ و هذا يدخل في باب تضليل جماهير الشعب السوداني.
إن المتضررين من نظا م الإنقاذ بشكل أو بآخر طوال الثلاثين عاماً أو بعد الثورة في جريمة فض الإعتصام أو أثناء التظاهرات التي أعقبتها و حتى الآن لا يبحثون عن المجرم الفرد ومعاقبته….بمعنى من قتل من كفرد و إنما يبحثون عن المسئولية السياسية و محاكمة قادة السلطة التي وقعت في ظلها تلك الجرائم لذلك ليس هناك مجال لمحاكمة المجرمين السياسيين في ظل هذه الفترة الإنتقالية أن الحل السياسي الذي إرتضينا السير في طريقه بدأ بالتفاوض مع قادة السلطة الحاكمة المسؤولة عما حدث في ساحة الإعتصام في 3/6/2019م وما حدث و مازال يحدث في مواجهة المواكب السلمية، والمشاركة بشكل أو بآخر في جرائم الإنقاذ السابقة للثورة ، وبالتالي ليس من المنطق السياسي أن تعقد المحاكم غداً لمن تفاوضت معهم اليوم و إرتضوا أن يبتعدوا عن السلطة السياسية و يسلموها للمدنيين.
إن هذا الطرح لا يعني الإفلات الأبدي من العقاب و إنما يعني برمجة قضية أنجاز العدالة و العدالة الإنتقالية بشكل سياسي علمي واقعي و ليس عاطفي وهمي…كيف يتم ذلك؟ -بداية نرى أن يتم تكوين مفوضية لإنجاز العدالة والعدالة الإنتقالية في السودان على أسس قانونية بالتعاون مع المؤسسات العدلية الدولية .
تتكون داخل هذه المفوضية عدة لجان قانونية متخصصة بغرض تقصي الحقائق والتحقيق والرصد والتوثيق للجرائم الكبرى في حق الإنسان السوداني منذ 30 يونيو 1989وحتى الآن أهمها :
• لجنة جرائم حرب دارفور
• لجنة جرائم حرب جنوب السودان .
• لجنة جريمة فض الإعتصام .
• لجنة جرائم قتل و تعذيب المعارضين للإنقاذ بالسجون المعتقلات
• لجنة عمليات القتل والتعذيب التي تمت بعد ثورة ديسمبر 2018 سواء كانت أثناء المواكب أو بالمعتقلات والسجون وغيرها من اللجان التي تتناول الجرائم التي أرتكبت ضد الإنسان السوداني .
يتم إلزام هذه اللجان بإنهاء أعمالها قبل نهاية الفترة الإنتقالية المحددة في الإتفاق النهائي.
تقدم هذه الملفات إلى البرلمان والحكومة المنتخبة بعد إنتهاء الفترة الإنتقالية لتدخل في مرحلة عقد المحاكم وفق مبادئ العدالة و العدالة الإنتقالية التي ستضعها المفوضية المعنية بذلك، و حينها تكون كل القيادات العسكرية و المدنية المشاركة في الفترة الانتقالية قد فقدت الحصانات القانونية و يصبح الجميع سواسية أمام القانون دون أي كيد أو تشفي أو انتقام سياسي ضيق.
إن إحترامنا كسودانيين للعدالة الدولية هو المدخل الرئيسي لضمان دعم المجتمع الدولي لنا قانونيا وإدارياً لإنجاز عملية العدالة والعدالةالإنتقالية ، لذلك يجب أن يتم التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية و تسليمها المطلوبين من قادة نظام الانقاذ أو عقد محكمة مشتركة داخل السودان .
إن الحديث عن العدالة و العدالة الإنتقالية مع تجاهلنا لمؤسسات العدالة الدولية فيه تناقض يعكس عدم جديتنا أصلاً في إقامة العدالة و العدالة الإنتقالية في السودان.
الإصلاح الأمني العسكري
جاء النص الخاص بهذه القضية بالإتفاق الإطاري على النحو التالي:
الإصلاح الأمني والعسكري وهي من أمهات القضايا التي تجابه بلادنا فبدون بناء وإصلاح جيش واحد مهني قومي وفق ترتيبات أمنية متفق عليها فإن بلادنا لن تستطيع أن تحقق الديموقراطية أو السلام أو التنمية.
أن قضية الإصلاح الأمن والعسكري ليست عملية محدودة بحدود الأجهزةالأمنية العسكرية وإنما هي عملية مجتمعية عريضة وشاملة تتعلق بالمستوى الحضاري للمجتمع والعقلية السياسية ووضوح المفاهيم والرؤى السياسية التي تحكم الصراع السياسي حول السلطة.
وبالنظر بعمق لجميع هذه الجوانب سنجد أنها في حالة إختلال تاريخي عميق ويزداد عمقاً يوماً بعد يوم لأننا ظللنا نتعامل مع مظاهر و تداعيات الأزمات ونتهرب من مواجهة جذور أزماتنا المختلفة.
لذلك إذا قمنا غداً بعملية إصلاح للأجهزة الأمنية والعسكرية بمعزل عن عملية الإصلاح الشامل لكل واقعنا بما فيه الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي و التعليمي فإن الأمر لن يجدي كثيرا.
إن عملية الإصلاح الأمني و العسكري يجب أن تتم في إطار مشروع وطني شامل… فكمثال إذا قلنا يجب تغيير عقيدة الأجهزة الأمنية العسكرية من أجهزة لحماية السلطة الحاكمة إلى أجهزة لحماية المواطن وسلطته الديموقراطية المنتخبة فيجب أن تكون القيادات السياسية وكياناتها الحزبية نفسها على قناعة بذلك وعلى قناعة بأن الأسلوب الوحيد للوصول للسلطة هو صندوق الإقتراع هذا المفهوم لا وجود له في العقل السياسي السوداني الذي تهيمن عليه الشمولية وفكر إنقلابي متأصل يضيق بالممارسة الديموقراطية الحرة ويكره الآخر الذي يختلف معه .
لذلك نعتقد بأن قضية الإصلاح الأمني والعسكري يجب أن تسير فيثلاث إتجاهات خلال الفترة الإنتقالية:
الإتجاه الأول هو التطوير المهني و الفني للأجهزة الأمنية العسكرية لتصبح أجهزة حديثة رشيقة غيرمترهلة وفاعلة يتشرف منسوبيها بالإنتماء لها.
الإتجاه الثاني هوتحسين الأوضاع الوظيفية للعاملين بتلك ألاجهزة و تطوير قدراتهم الفنية والإدارية بالتدريب المستمر .
الإتجاه الثالث هو وضع الملامح الرئيسية لمشروع وطني شامل .
إن عملية الإصالح الأمني والعسكري لتتم بقرارات سياسية معلقة في الهواء وإنما بجهد كوادر مدنية وأمنية وعسكرية عالية التأهيل مهنياًومؤمنة بالمشروع الوطني الشامل .
إتفاق جوبا لسلام السودان
جاء النص الخاص يهذه القضية في الاتفاق الإطاري على النحو التالي:
إتفاق جوبا لسلام السودان وإكمال السلام ثورة ديسمبر دفعت بأجندة السلام إلى المقدمة مما أدى للتوصل لإتفاق جوبا لسلام السودان، عليه نرى تنفيذ اتفاق سالم جوبا مع تقييمه و تقويمه بين السلطة التنفيذية و شركاء الإتفاق وأطراف الإعلان السياسي .
بالرغم من تحفظاتنا العديدة على إتفاق جوبا إلا أنه قد أصبح واقعياًجزء من مكونات الشأن السياسي الحالي وترتب على تطبيقه جزئيا العديد من الآثار السياسية ، لذلك يصبح من الصعب الحديث عن إلغائه أو مراجعة نصوصه لأن في ذلك فتح لأبواب التفاصيل التي ستدخل الفترة الإنتقالية في متاهات لن تنتهي بل و قد تؤدي لفشل الفترة الإنتقالية القادمة .
وعليه نرى أنه لتفادي مثل هذه المتاهات يجب أن ينص الإتفاق النهائي على جدول أولويات تنفيذ إتفاق جوبا على النحو التالي:
• الأولوية الأولي والقصوى لتنفيذ كل ما يتعلق بتغيير الواقع المأساوي المعاش للمواطنين بدارفور والمنطقتين وجنوب كردفان وفي مقدمتها عودة النازحين إلى مناطقهم بعد تهيئتها من جميع النواحي .
• بسط الأمن في جميع مناطق النزاعات التي أشارت إليها الإتفاقية و ضمان أمن العائدين إلى مناطقهم و ممارسة حياتهم اليومية باطمئنان. .
• البدء في عمليات دمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة في الجيش السوداني وفق الأسس العالمية المتعارف عليها (بداية عمليات الدمج)
• النظر في أوضاع الأفراد المنتمين إلى الحركات المسلحة الموقعة وإعادة تأهيلهم للعمل بالمؤسسات العسكرية أو المدنية حسب مؤهلاتهم وقدراتهم.
وهنا يجب أن نشير إلى أنه من الضروري أن تتولى السلطة التنفيذية القادمة معالجة أوضاع منسوبي الحركات المسلحة الموقعة ولا يترك الأمرللحركات بإعتبار أن هؤلاء الأشخاص هم مواطنون سودانيون يجب أن يتم الإهتمام بهم لكي لا يتحولوا إلى أدوات في يد بعض المتربصين بأمن وإستقرار وتطور السودان.
ونكرر ما ذكرناه فيما سبق في قضايا مختلفة بأنه يجب الإستعانة بالمجتمع الدولي للدعم المالي والإداري والفني لإنجاز المهام المذكورة سالفاً .
تفكيك نظام نظام 30 يونيو 1989
جاء النص الخاص بهذه القضية في الإتفاق الإطاري على النحو التالي:
تفكيك نظام 30 يونيو: نظام ال 30 من يونيو أختطف الدولة السودانية ومؤسساتها. ولبناء دولة مهنية تخدم مجتمعنا دون تمييز أو تعدي لا بد من تفكيك بنية نظام 30 يونيو على نحو يلتزم بسيادة حكم القانون وإحترام الحقوق الأساسية.
إن كلمة ( تفكيك)هي كلمة هتافية ليس لها معنى سياسي علمي محدد وترسل رسالة خاطئة لذهن المواطن بأنه يمكن تفكيك نظام اإلنقاذ الذي حكم ثلاثين عاماً بإجراءات سياسية سريعة و متعجلة. إن الوثيقة الدستورية التي وقعت بين المجلس العسكري الإنتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير في 17/8/2019م قد أوردت كلمة(تفكيك) في الفقرة 15من البند رقم 8 تحت عنوان مهام الفترة الإنتقالية وجاء نصها كالتالي:
تفكيك بنية التمكين لنظام الثالثين من يونيو 1989وبناء دولة القانون والمؤسسات.
ولم تنص الوثيقة الدستورية على أن يتم تكليف جهة معينة كلجنة أو مفوضية بهذه العملية لأن المقصود كان أن تعمل جميع أجهزة الفترة الإنتقالية كل في مجاله لتفكيك بنية التمكين، ولكن ما حدث من وضع قانون وتكوين لجنة لإزالة التمكين قد شوه المعنى المقصود وصور للمواطنين الأمر وكأنه من الممكن تفكيك بنية التمكين بطريقة مكنيكية و بإجراءات سياسية وكأن المسألة بهذه البساطة الإجرائية.
إن تمكين الإنقاذ لم يكن تمكينا اقتصادياًو إدارياً فقط و إنما شمل كل الجوانب التعليمية والثقافية و الإجتماعية والفكرية لذلك هي مهمة معقدة ومتعددة الجوانب وطويلة المدى .
وإذا رجعنا إلى نص ما ورد في الإتفاق الإطاري حول ” اختطاف “الإنقاذ للدولة السودانية فهذه كلمة غير دقيقة علمياً لأن الإنقاذ أصلاًعندما جاءت في يونيو 1989 لم تجد دولة مؤسسية قوية و متماسكة و إنما دولة هشة آيلة للسقوط بدأت خطوات تدهورها منذ العهد المايوي .
إن ما فعلته الإنقاذ هو أن تركت الدولة السودانية تتفسخ ذاتياً ولم تبذل جهداً في إصلاحها وإنما قامت ببناء دولة موازية تحقق مصالحها الحزبية كسلطة حاكمة.
إن التفكيك بالمعنى الذي روجت له لجنة إزالة التمكين لخص الأمر في ملفات الفساد والإستغناء عن خدمات العاملين بأجهزة الدولة الذين كانوا ينتمون إلى حزب المؤتمر الوطني بشكل أو بآخر الأمر الذي ولد إنطباعاً بأن المسألة هي مسألة تصفية سياسية وليست عملية إعادة بناء دولة.
إننا نرى أن العملية المطلوبة في حقيقة أمرها هي إزالة الآثار السلبية لفترة حكم الإنقاذ في جميع الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية و الثقافية و الفكرية و التعليمية .
ويمكن إنجاز العملية في ثلاث اتجاهات:
الإتجاه الأول هو إحالة جميع ملفات الفساد المالي إلى مفوضية مكافحة الفساد وإسترداد المال العام وعلى أن تكون الأولوية لقضايا الفساد الكبرى التي تتعلق بالأموال التي تسربت من الدولة إلى الدولة الموازية.
وعلى أن تتعاون مفوضية مكافحة الفساد و استرداد المال العام مع المؤسسات الدولية العاملة في هذا المجال لأن عملية مكافحة الفساد قد أصبحت متطورة فنياً و تحتاج لقدرات عالية ولكوادر مدربة تدريباً رفيعاً.
الإتجاه الثاني هو أن توكل جميع المسائل الخاصة بإعادة النظر في أوضاع العاملين بأجهزة الدولة المختلفة إلى مفوضية إصلاح الخدمة المدنية وأن تتم عملية إزالة التمكين السياسي داخل أجهزة الدولة في إطار خطة متكاملة إلعادة بناء جهاز الخدمة المدنية السودانية تبدأ بوضع هيكل تنظيمي جديد لكل مرفق من مرافق الخدمة المدنية و وضع قوانين و أنظمة و لوائح تضبط كيفية أداء العمل في كل المرافق كما يتم وضع ملفات الوصف الوظيفي لكل وظيفة بكل مرفق.
بعد ذلك تتم مراجعة ملفات جميع العاملين بالخدمة المدنية حالياً و تسكينهم أو الإستغناء عن خدماتهم أو إحالتهم إلى لجنة مكافحة الفساد إذا كانت تدور حولهم شبهات فساد.
وعلى أن تتم العملية بكاملها و في كل مراحلها بمهنية عالية نستعين فيها بالخبرات الأجنبية لأنها عملية كبيرة و معقدة و تحتاج لدرجة عالية من الموضوعية و البعد تماما عن الكيد و الإستهداف السياسي .
بالرغم من إدراكنا أن فترة الإنقاذ قد سببت ضرراً كبيرا بإهمالها جهاز الخدمة المدنية وتركيزها على الجهاز الموازي الحزبي الذي يحقق مصلاحها كسلطة حاكمة، إلا إننا يجب أن لا نتجاهل أنه أصلاً جهاز الخدمة المدنية لم يتم تطويره وتحديثه منذ 1956 ، لذلك يجب أن لا نفهم الأمر في إطاره الضيق المحدود بحدود ما حدث بالخدمة المدنية خلال فترة الإنقاذ بإجراءات جزئية لن تجدي لأن المطلوب ليس هو ترقيع وصيانة جزئية لبناء هو موجود وآيل للسقوط و إنما المطلوب إعادة بناء حقيقية لأننا لن نستطيع أن ننجز مشروعنا الوطني الشامل القائم على إنجاز التنمية الشاملة بجهاز خدمة مدنية آيل للسقوط.
إن تغيير طبيعة السلطة الحاكمة من سلطة عسكرية إلى سلطة مدنية لن يعالج تلقائياً القضايا الأساسية للمجتمع السوداني وفي مقدمتها قضية جهاز الخدمة المدنية بصفته أداة إنجاز خطط وبرامج السلطة الحاكمة.
• الإتجاه الثالث هو تكليف لجنة إزالة التمكين الجديدة بمسؤوليةدراسة مظاهر التمكين في قطاعات الدولة المختلفة ووضع خطط وبرامجوآليات إزالة التمكين في كل قطاع بالتعاون مع العاملين في تلك القطاعات وبأساليب قانونية و مهنية عالية وبهدوء دون ضجة سياسية إعلامية ترسل رسائل ضارة للمجتمع السوداني وعلى أن تتابع اللجنة تنفيذ تدابير إزالة التمكين بالمرافق المختلفة .
قضايا أخرى جديرة بالذكر
1. مفهوم الفترة الإنتقالية
إن المتتبع لتاريخ السودان الحديث يجد أن مفهوم الفترة الإنتقالية التي تعقب نظام عسكري) أكتوبر 1964 + أبريل 1985 ) كان مفهوما خاطئاًأدى تلقائياً إلى فشل الفترات الديموقراطية التي أعقبت تلك الفترات الإنتقالية..فما هو ذلك المفهوم الخاطئ .
فترة زمنية يسرع الجميع في اجتيازها كانت و ما زالت الفترة الإنتقالية في العقل السياسي السوداني هي كيفما اتفق للوصول لإنتخابات الحرة لذلك كانت دائما فترات قصيرة زمنياً وهذا الفهم يرتبط بالعقلية السلطوية التي تعتقد أن مجرد تغيير السلطة الحاكمة من سلطة عسكرية إلى سلطة مدنية وتنظيم الإنتخابات سيعالج تلقائيا كل قضايا السودان.
في تقديرنا أن المفهوم الصحيح للفترة الإنتقالية هو أنها ليست فترة زمنية وإنما هي “فترة انجاز مهام إن المهام التي وردت نصا في الإتفاق الإطاري هي مهام عظيمة ومعقدة جدا ومن المستحيل إنجازها في عامين أو ثلاثة . لذلك نعتقد بأننا أمام خيارين اما أن تمتد الفترة الإنتقالية لما لا يقل عن ست سنوات أو إذا تم الإصرار على أن تكون عامين فيجب أن تكون هناك فترتين إنتقاليتين: الفترة الإنتقالية الأوليبغرض ترسيخ السلطة المدنية وضمان الإنتقال السلس سياسياً من السلطة العسكرية الى السلطة المدنية .
الفترة الإنتقالية الثانية التي ستبدأ بعد الإنتخابات وإختيار برلمان وحكومة منتخبة وذلك بغرض تكملة إنجاز مهام الفترة الإنتقالية الأوليووضع الأسس الصحيحة والسليمة والقوية لبناء دولة وطنية ديموقراطية ذات نظام سياسي ديموقراطي راسخ وهذه الفترة الإنتقالية الثانية يجب أن لا تقل فترتها عن 4سنوات.
إن الإصرار على فترة إنتقالية بالمفهوم التقليدي السوداني الذي أشرنا إليه فيما سبق سيضمن لنا فشل النظام الديموقراطي الذي سيعقبها و ستستمر دوامة الإنقلابات إلى ما نهاية .
2.الجداول الزمنية إن الإنسان السوداني بشكل عام يعاني من ضعف القدرة على الإنجاز الفعلي للمهام الموكلة له، ولكي نتغلب على هذهالصفة السالبة علينا أن نرفق مع كل مهمة من مهام الفترة الإنتقالية جدول زمني محدد و مفصل لمراحل الإنجاز الفعلي. نحن ناجح ونجدا في تدبيج البرامج و المهام و الخطط و المواثيق و الدساتير و لكننا فاشلون جداً في إنجاز ما نكتب على الورق على أرض الواقع.
3.مفوضية المتابعة و التقييم هناك ضرورة ملحة لأن يتم إنشاء مفوضية لمتابعة وتقييم إنجاز مهام الفترة الإنتقالية وفق الجداول الزمنية التي سيتم إرفاقها مع كل مهمة تدون بالإتفاق النهائي.
نرى أن يتولى المجلس التشريعي الإنتقالي مسئولية تكوين هذه المفوضية وأن تكون مسئولة أمامه ، حيث أنه لا يمكن أن ترتبط هذه المفوضية بالسلطة التنفيذية أو السيادية الإنتقالية لأنه من المفترض أن تتابع المفوضية و تقيم أداء تلك السلطات. ويجب أن يتم دعم هذه المفوضية بأعضاء من المجتمع الدولي والإقليمي المهتم بالشأن السوداني كالإتحاد الأوروبي والإتحاد الإفريقي والولايات المتحدة الأمريكية ومجلس التعاون الخليجي، وذلك بغرض ضمان أداء المفوضية لأعمالها بأساليب عالمية حديثة و متقدمة إن عدم تكوين هذه المفوضية سيجعلنا نكرر تجاربنا السابقة حيث تنتهي الفترة الإنتقالية و نجد أننا لمننجز إلا نسبة متواضعة جدا من المهام المدونة نصاًفي الإتفاقات والمواثيق المعتمدة .
4.معايير إختيار رئيس الوزراء و الوزراء إن التجربة السابقة الخاصة بإختيار رئيس الوزراء والوزراء بعد توقيع الوثيقة الدستورية في 17/8/2019م قد أثبتت أنه لم يتم الإلتزام حتى بمعايير الإختيار التي وضعت وجاء الإختيار عشوائياً وساهم ذلك في إضعاف الفترة الإنتقالية.
لذلك هذه المرة يجب وضع معايير ناجعة تتضمن إختيار عناصر قادرة على الإنجاز والإلتزام بتطبيق المعايير التي سيتم الإتفاق عليها بحرفية ، و كما ذكرنا سالفاً فإنه المجال للفشل هذه المرة.
بداية يجب أن ندرك أننا لسنا في حاجة إلى موظفين تقليديين يتولون المسؤوليات المختلفة بالسلطة التنفيذية و إنما في حاجة إلى قادة كل في مجاله لإنتشال البلاد من المستنقع الآسن وإنقاذها من مصير الإنهيار الشامل للدولة . لذلك ليس كافياً أن يتم الإختيار بموجب السيرة الذاتية كما يتم إختيار الموظف و إنما يضاف إلى معيار المؤهلات والخبرة العملية معيار الرؤية والقدرة على إتخاذ القرار، فيجب أن يطلب من كل مرشح ان يكتب رؤيته لكيفية إدارة الوزارة المرشح لها… فكمثال إذا ترشح شخص لوزارة الزراعة فعليه أن يرفق مع سيرته الذاتية تشخيص متكامل يحدد فيه ماهية المشاكل الرئيسية التي يعاني منها القطاع الزراعي السوداني و تصوره لكيفية حلها وكيف سيدير وزارة الزراعة.
أما بالنسبة لمرشح منصب رئيس الوزراء فيجب أن يقدم رؤية متكاملة لكيفية قيادته للسلطة التنفيذية وتنفيذ مهام الفترة الإنتقالية.
أما فيما يتعلق بالقدرة على إتخاذ القرار فيجب الرجوع الى الخبرات السابقة للشخص المرشح ومعرفة مستوى أدائه في المواقع التي عمل بها… هل كان من القادرين على اتخاذ القرار أم كان شخصا سلبيا يقبل بما هو موجود دون تغيير .
الخلاصة هو أننا هذه المرة يجب أن ندقق كثيراً ونتوقف عند كل مرشح ونتأكد في النهاية بأننا إخترنا فريق عمل يقود الفترة الإنتقالية وينجز مهامها بنجاح ويحدث التغيير المطلوب في حدود ما تنص عليه االتفاقات والمواثيق.
5.مفوضية مكافحة خطاب الكراهية
إن إنتشار وتغلغل خطاب الكراهية في الخطاب السياسي يعتبر من أخطر الظواهر بل وأعظم خطورة من كل ما يحدث من أزمات سياسية وإقتصادية وإجتماعية تمر بها البلاد وإذا لم نواجهه بقوة وحزم فكل جهدنا السياسي الوطني لن تكون له قيمة وسيحترق كامل الوطن ولن نجد أمامنا سوى أكوام من الجماجم و الرماد.
لذلك نعتقد أنه يجب على السلطة التنفيذية الإنتقالية أن تكون مفوضية مكافحة خطاب الكراهية تتولى تحديد جميع أشكال وألوان خطاب الكراهية الواضحة والمستترة ووضع قانون رادع يعاقب بشكل فوري في محكمة خاصة كل من ينشرخطاب الكراهية بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن المفوضية المقترحة يجب أن تضم عناصر سياسية و إدارية و قانونية و ممثلين لبعض المؤسسات الدولية و الإقليمية ذات الخبرة في هذا المجال .
إن الباحث في تاريخ السودان الحديث سيجد أن خطاب الكراهية قد كان موجوداً في المجتمع السوداني ولكنه كان خفي وسري ومستتر ولأننا تجاهلنا وجوده ولم نكافحه فقد تفاقم حتى وصل اليوم إلى مرحلة السفور والجرأة مستخدماً الجهوية و القبلية و غير ذلك كأدوات تروج للكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
6.أهمية عامل الزمن وضرورة تكوين الحكومة المدنية
نلاحظ أن السير في طريق الحل السياسي الذي بدأ بتوقيع الإتفاق الإطاري يتم ببطء شديد ونعتقد أن عامل الزمن مهم للغاية إلنجاح الحل السياسي للأسباب الآتية :
السبب الأول هو أن أي فراغ زمني تستغله القوى المعادية لمسار الحل السياسي وتحاول عرقلته ووضع المتاريس فيطريقه..
السبب الثاني هو أن هذا البطء قد ولد كثير من الإحباط واليأس وسط المواطنين الذين يتطلعون الى معالجة واقع البالد السياسي واالقتصادي والأمني وينتظرون تكوين حكومة مدنية تدير البلاد وتنهي حالة الفراغ السلطوي الحالية.
السبب الثالث هو أن حماس و تجاوب المجتمع الدولي و الإقليمي للتعاملمع أزمة السلطة في السودان يمكن أن يفتر ويتحول الإهتمام إلى تجاهل وحينها ستتفاقم أزمتنا ولن تستطيع حينها الحكومة المدنية مواجهة التحديات .
لذلك نرى أنه من الحكمة السياسية أن يتم سريعا تكوين حكومة مدنية إنتقالية بموجب ما ورد في الإتفاق الإطاري من أصحاب الكفاءات كل في مجاله بعيداً عن الأحزاب والجماعات السياسية و الحركات المسلحة و تكلف بوضع وإنفاذ برنامج إقتصادي إسعافي عاجل لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين والتواصل مع المؤسسات المالية الدولية لرفع التجميد الذي حدثبعد انقلاب 25 أكتوبر لبرامج الدعم الإقتصادي المختلفة سط الأمن وفرض هيبة وقوة الدولة.
في نفس الوقت تستمر القوى السياسية المدنية والمكون العسكري في الحوارحول القضايا الخمس المؤجلة إلى أن تصل إلى مرحلة الإتفاق النهائي، وإذا استدعى الأمر بعد ذلك إجراءأي تعديل على الحكومة فليحدث ذلك لاحقاً.
7.توسيع قاعدة الإتفاق الإطاري ليشمل أكبر قدر من الكتل السياسية الفاعلة .
انتهي
مجموعة بناء المشروع الوطني الشامل
• البروفيسور / كمال يسن الطيب
• الدكتور / نصرالدين ابراهيم شلقامي
• السيد / هشام ابو العلا – قنصل فخري فنلندا
• الاستاذة / بثينه خضر مكي
• المهندس / حيدر احمد علي
• الدكتور / طارق محي الدين الطيب -القنصل الفخري لقبرص بالسودان
٠ المهندس / ياسر شيخ الدين محمد
• البروفيسور / ابراهيم محمد الحسن
• الدكتور / بدرالدين عمر الحاج موسى
•الدكتور / دفع الله محمد الأمين
•الاستاذ / يسن حسن بشير
• الدكتورة / محاسن حاج الصافي
• الاستاذ / سيف الدولة حاج الصافي – رجل اعمال
• الدكتور / كرار عبادي
• السيد / عصمت محيميد – قنصل فخري بوركينا فاسو
• الدكتورة / بخيته امين
• الاستاذ / مالك جعفر
• السيد / طارق الخندقاوي
• الدكتور / دفع الله علم