
في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي يعيشها السودان جراء العدوان الممنهج عليه من قبل مليشيات الدعم السريع وداعميها، تتصاعد المخاوف من تفشي الأوبئة في عدد من الولايات، وعلى رأسها الخرطوم الكبرى، التي شهدت خلال الأسابيع الأخيرة انتشاراً واسعاً لحمى الضنك والملاريا، ومن قبلهما الكوليرا، وسط ضعف واضح في الاستجابة الصحية الرسمية، وانعدام شبه كامل لبرامج إصحاح البيئة من قبل الدولة والمجتمع.
تعود جذور هذه الأزمة إلى انهيار النظام البيئي في إقليم الوسط تحديداً، نتيجة لتواجد مليشيات الدعم السريع خلال السنوات الماضية فيه، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية، وتلوث مصادر المياه، وتراكم النفايات، وتكاثر نواقل الأمراض. وبعد تحرير هذه المناطق، ظهرت مؤشرات خطيرة على تفشي أمراض فتاكة، في وقت تعاني فيه الحكومة من ضعف الإمكانيات وعدم القدرة على توفير الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.
في ظل التحديات والانشغالات التي تعصف بالدولة السودانية، وانشغالها في تحقيق استقرار أمني وسياسي واقتصادي، تبرز الحاجة إلى تحرك عاجل من قبل الدولة والمجتمع سوياً لتنفيذ خطة إسعافية عاجلة للإصحاح البيئي، فقد أصبح الواقع الصحي في السودان اليوم لا يحتمل التأجيل. فالأمراض التي كانت تُصنف سابقاً ضمن الحالات الفردية، تحولت إلى أوبئة تهدد حياة الآلاف، في ظل غياب التنسيق بين الجهات الرسمية والمجتمعية، وانعدام حملات التوعية والرش، وتوقف معظم المرافق الصحية عن العمل بسبب الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات.
إن الوقاية لم تعد مجرد خيار، بل ضرورة وطنية. ويتطلب التصدي لهذه الكارثة الصحية تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، من خلال إطلاق حملات موسعة لإصحاح البيئة، وتوفير العلاج، وتفعيل دور الإعلام في التوعية، وإشراك المواطنين في حماية أحيائهم ومصادر مياههم.
وفي هذا السياق، تُوجَّه دعوة عاجلة إلى وزير الصحة الدكتور هيثم محمد إبراهيم، ورئيس مجلس الوزراء الأستاذ كامل إدريس، ووالي الخرطوم، وجميع ولاة السودان، للعمل الفوري على احتواء الأزمة، وتخصيص الموارد اللازمة، وتفعيل خطط الاستجابة السريعة، بالتعاون مع المجتمع السوداني الذي أثبت في أكثر من مناسبة قدرته على الصمود والمساهمة الفاعلة في مواجهة التحديات.
السودان اليوم أمام اختبار حقيقي: إما أن ننهض جميعاً لإنقاذ ما تبقى من النظام الصحي، أو نترك الأوبئة تواصل حصد الأرواح في صمت. والمسؤولية لا تقع على جهة واحدة، بل هي مسؤولية وطنية مشتركة تتطلب إرادة سياسية، ووعياً شعبياً، وتحركاً عاجلاً قبل فوات الأوان.
٢٤ سبتمبر ٢٠٢٥م