لم تجد توصيات قمة الدول العربية بالجزائر الأيام الماضية والتي دعت لتنفيذ مشروع الأمن الغذائي العربي بالسودان أي رد فعل من القيادات السياسية والتنفيذية هنا في الخرطوم .والسبب ببساطة عدم وجود حكومة وعدم وجود مؤسسات،وانشغال مؤسسة الرئاسة بالأوضاع السياسية.
القطاع الزراعي المنوط به تحقيق الأمن الغذائي لأهل السودان ناهيك عن غذاء العرب بعيد المنال هو الآن في أسوأأوضاعه جراء الإهمال الممنهج من قبل الدولة ..انهيار للقطاع الزراعي أمام مسمع ومرأى من قبل مجلس السيادة الحاكم ومن قبل وزارات القطاع الاقتصادي ..المالية..الزراعة ..الري وأيضًا بنك السودان المركزي يجعل أي حديث عن أمن غذائي مجرد أوهام على الأقل في الوقت الراهن .
الكل مشغول بأمر التسوية السياسية ولا أحد يفكر في الإنتاج والمنتجين ومشاكلهم .ولا توجد أي جهة رسمية تبدي اهتمامًا بحل مشاكل الزراعة أو انتشال الموسم الشتوي من شبح الانهيار .
خذ مثلًا معاناة المنتجين في كل الولايات وبالأخص في مشروع الجزيرة المنوط به توفير القمح أهم محصول لتأمين الغذاء حتى الآن الحكومة فشلت في توفير معينات الموسم الشتوي .
عوامل انهيار الموسم الشتوي بدأت منذ أن تقاعست الحكومة عن إعلان سعر تركيزي للقمح،والتراجع عن شراء القمح بعد أن حدد 43 ألف جنيه للجوال ،الأمر الذي جعل المزارع تحت رحمة السماسرة، فتدنت أسعار القمح إلى 23 ألف جنيه برغم ارتفاع تكلفة الإنتاج وزيادة ضريبة الري وغيرها من الرسوم وارتفاع تكلفة التمويل.
مزارعو الجزيرة يشتكون حتى اللحظة من عدم توفر التمويل بعد تراجع البنك الزراعي .إلى جانب ربط التمويل بالشهادة الزراعية وربطها بتحصيل الرسوم قبل الحصاد .هذا الإجراء القاسي كان أكبر مهددات التحضير للموسم الشتوي الحالي .زد على ذلك ما واجهه المنتجون من عدم توفر السماد خاصة اليوريا وفشل البنك الزراعي في توفير الأسمدة..سعر جوال القمح زنة 100 كيلو 23 ألف جنيه فيما بلغ سعر جوال التقاوي زنة 60 كيلو 45 ألف جنيه للمزارع .
منتجو الحبوب وكل المنتجات الزراعية الغذائية يعانون من تدني الأسعار بصورة غير مسبوقة في السوق المحلي ،مع توقف شبه تام لعمليات الصادر،وتعرضهم للابتزاز من قبل كبار التجار والسماسرة والمهربين، بما يهدد بخروج المنتجين عن الإنتاج إذا استمر الوضع بهذه الصورة القاتمة.
بعض المنتجين الذين لديهم إمكانات مالية أفضل استطاعوا تجاوز الحكومة في مسألة التمويل وتوفير السماد بالاعتماد على مواردهم الذاتية ودخلوا الموسم بتحضير جيد في مواقيت جيدة .أما صغار المزارعين فهم الأكثر معاناة من الإهمال الحكومي.
إذا كانت وزارة الزراعة تقر بأن تعرض البلاد لشبح المجاعة بسبب السياسات الخاطئة فهذا يعني بالضرورة عدم وجود أي رؤية استراتيجية لتحفيز الإنتاج .ولا خطة واضحة و مدروسة لإنتاج القمح والحبوب لتوفير الغذاء لأبناء الشعب السوداني أولًا قبل أن نفكر في كيفية تنفيذ مشروع توفير الغذاء للدول الأخرى.
//