الرواية الأولى

نروي لتعرف

العين الثالثة / ضياء الدين بلال

قصتي مع الحوارات الصحفية والتلفزيونية

ضياء الدين بلال

دخلت إلى عالم الصحافة من بوابة الحوارات الصحفية، وكان أستاذي صبري الشفيع أول من غرس في داخلي حب هذا الفن، بينما تأثرت بحوارات كمال القبيسي في الشرق الأوسط اللندنية وبأسلوب مفيد فوزي في الصحافة المصرية.

كان أول حوار أجريته مع البروفسير حسن مكي، أما اللقاء الثاني معه، وكان برفقة صديقي العزيز طارق المادح، فقد أشعل عاصفة كبرى في منابر المساجد وخرجت المظاهرات حينما تحدث عن مقتل سيدنا عثمان بن عفان.

من بين كل التجارب التي مررت بها يبقى الحوار مع الراحل محمد إبراهيم نقد الأكثر متعة ، إذ تحول إلى سلسلة حوارية صدرت لاحقاً في كتاب بعنوان: (نقد.. حكاوي المخابئ وأحاديث العلن).
أما أصعب الحوارات التلفزيونية التي واجهتني فكان مع بروفيسور إبراهيم غندور؛ أنهى أسئلة برنامج مدته أربعون دقيقة في عشر دقائق فقط. كان ذكياً ولبقاً ومراوغاً أحياناً.

في المقابل، واجهت شخصيات بدت عصية على الاستنطاق ولا تخلو من الدهاء والقدرة على امتصاص المفاجآت، مثل البروفسير عبد الملك عبد الرحمن مدير جامعة الخرطوم السابق، والفريق أول عبد الفتاح البرهان، حيث اقتصرت إجاباتهما على عبارات قصيرة ومغلقة.
أما ألطف الحوارات فكان ذاك الذي أجريته مع الدكتور المرحوم حسن الترابي، بين ابتسامات مربكة وضحكات قارصة وإجابات يصعب التعامل معها تحريريا دون تصوير الدلالات التعبيرية البصرية والحركية .
وأغرب الحوارات على الإطلاق كان مع السيد محمد عثمان الميرغني… (بلا تفاصيل).

ولا أنسى ذلك اللقاء مع أستاذنا الراحل محمد طه محمد أحمد، برفقة الصديقين الطاهر حسن التوم وجمال علي حسن، قبل شهور قليلة من اغتياله. خرج الحوار بعنوان صادم على غلاف مجلة الخرطوم الجديدة:

“محمد طه: لم يبق أمامي سوى القبر”

لم تخلُ التجربة من حوافز معنوية ومادية؛ فقد حصدت جائزة مجلس الصحافة والمطبوعات عن أفضل حوار في العام، وكان مع المفكر المصري الدكتور محمد عمارة.
لكن في المقابل وُجدت حوارات مُنعت من النشر أو البث، مثل حواري مع أسماء محمود محمد طه، وأشرف الكاردينال، ومولانا المرحوم علي محمد شاويش المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين.

وكان قراري بالاستقالة من تقديم برنامج فوق العادة على قناة الشروق بعد أربع سنوات قراراً مهماً، احتجاجاً على تقطيع حواري مع المرحوم عثمان السيد، مدير الأمن الخارجي الأسبق في عهد الرئيس جعفر نميري.

رحلتي مع الحوارات لم تكن مجرد ممارسة مهنية، بل مغامرة فكرية وإنسانية، بين متعة الاكتشاف وصعوبة المواجهة، بين لحظة عابرة وذكرى لا تُنسى. فالحوار بالنسبة لي لم يكن يوماً مجرد أسئلة وأجوبة، بل فن اقتناص الحقيقة من بين الكلمات، وبعضهم يخبئون مواقفهم في أضابير اللغة. وقد كان الأهم بالنسبة لي أن أصنع ذاكرة مشتركة مع القارئ والمشاهد على حد سواء.

اترك رد

error: Content is protected !!