عثمان جلال يكتب : 21 أكتوبر يوم التصحيح أم الردة الثورية؟؟ (اتركوهم إنهم عميان، قادة عميان، إذا كان الأعمى يقود الأعمى وقعا معا في حفرة) (إنجيل يوحنا)
(1)
انتفاضة 21 إكتوبر 1964 تمثل بدايات الوعي والاستنارة وسط المجتمع السوداني فكانت ثورة الطبقة الوسطى وفي طليعتها الحركة الإسلامية التي كانت غالبة في الأوساط الطلابية الحديثة ضد الاستبداد ومن أجل استعادة الديمقراطية وبناء السلام والوحدة الوطنية.
في انتفاضة أبريل 1985 تعمقت حالة الوعي فكانت ثورة قطاعات المجتمع الحية ضد الاستبداد المايوي ومن أجل الديمقراطية والوحدة والسلام.
(2)
ثورة 11 أبريل 2019 بلغت حالة الوعي والاستنارة مرحلة النضج والاستواء كثمرة طبيعية لثورة التعليم والاستنارة التي أرست لبناتها العميقة ثورة الإنقاذ الوطني في أعوام السعد والتنمية الباذخة، فكانت ثورة كل أبناء السودان، وكل قطاعات المجتمع، وغايتها تحقق ارادة وعبقرية المجتمع السوداني في صناعة النهضة الاقتصاد،ية والثقافية، وتمكين ارادته وذاته سياسيا في الحكم المحلي والولائي والمركزي، وترسيخ الديمقراطية المستدامة ثقافة في المجتمع، ومأسسة في بنية الاحزاب، والاطر الناظمة في تراتبية هياكل الحكم.
(3)
16 اكتوبر 2021 يوم هبة وانتفاضة كل قطاعات المجتمع السوداني من أجل استعادة الثورة المختطفة من الأحزاب الاوزونية الاربعة، واسترداد قيمها وشعاراتها، وهويتها من مثلث أوزون البرجوازي لتظلل كل مدن وقرى وبوادي وحواضر الوطن وسودنتها من الاختطاف الخارجي. كذلك يوم 16 أكتوبر يمثل البداية الواثقة لسيادة ثقافة التسامح والتوافق الوطني والعودة لمنصة التأسيس الوطنية الأولى 1956م، وتشكيل الكتلة التاريخية الوطنية الحرجة (حزب أبناء السودان الأوسع انتشارا) وغايته الدراسة العميقة والمعالجة الاستراتيجية الناجعة لأزمة الحكم منذ الاستقلال، 16 أكتوبر يمثل البدايات الحقيقية لإعادة اللحمة القومية، وإنهاء الفجوة الوهمية المصطنعة بين النخب وقاعدة المجتمع السوداني، والتطواف على كل الولايات السودانية والمناطق المتأزمة بسبب الحروبات، والنزعات الهوياتية، والفقر والجوع نتيجة السياسات الاقتصادية النيوليبرالية الصادمة التي طبقتها الأحزاب الاوزونية الأربعة وحلفاءها من المجموعة البرجوازية الوافدة من أوربا وامريكا وإشاعة ثقافة التسامح والتوافق الوطني ورتق النسيج الاجتماعي وتضميد الجروح التاريخية، حتى يتحقق الاندماج القومي السودانوي، يوم 16 أكتوبر يمثل البدايات الواثقة للتبشير بالنموذج الوطني الديمقراطي المستدام الذي يسع الجميع، وتصحيح وتقويم انحرافات ثورة ديسمبر المجيدة، وإكمال مؤسسات الحكم الانتقالي المحايدة، وتشكيل حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة التي تقف على مسافة واحدة من الجميع، ودفع كل الاحزاب السياسية لبناء ذاتها وتحالفاتها والاستعداد للانتخابات القادمة، وحشد كل طاقات المجتمع السوداني الفكرية والسياسية والثقافية في الوسط والشمال والجنوب والشرق والغرب وحفزه نحو دوره القيادي في صياغة قضايا البناء الوطني،وصيانة وحماية المشروع الوطني الديمقراطي من طور صراع الرؤى والتكوين الحالي حتى يرسخ في هوادي الحكم والمجتمع.
(4)
21 إكتوبر 2021 يوم هوجة الأحزاب الاوزونية البرجوازية الاربعة، والهوجة هي حالة شعبوية تنزع لنفي وإقصاء الجميع والادعاء الكذوب بتبني قضايا الثورة والثوار، بينما تستبطن الكنكشة في السلطة، وهكذا ينزع السلوك السياسي للاحزاب الاوزونية الأربعة نحو اختزال ومركزة السلطة في شارع الجامعة ونادي الخريجين، بالتالي فإن 21 إكتوبر يوم الردة الثورية والسباحة عكس مجرى التاريخ وسنن النواميس الكونية، والتاريخ ماكر ويضمر الشر لمن لا يتعظ منه، وقديما قيل ان معاندة التاريخ حمق وقلة عقل، والمشهد السياسي الوطني يتراص بين فسطاطين الكتلة الوطنية الكبرى (الصلبة، والناعمة) والتي تقف مع الثورة التصحيحية المنتظمة حاليا، والاحزاب الاوزونية الأربعة والتي تنزع لاحتكار الثورة في مغانم ومحاصصات وظيفية ونزعات تشفي وانتقام، وحتما فإن الثورة التصحيحية المحتشدة أمام ساحة القصر والتي تفوق امتداداتها الجماهيرية ورمزية عمقها الاجتماعي وإسناد القوة الصلبة لها كل الثورات السودانية السابقة (1964،1985،2018) هي المنتصرة.
(5)
ان الخيار الوحيد أمام الأحزاب الاوزونية الأربعة والمجموعة النيوليبرالية المتحالفة معهم بعد أن فقدوا القيادة والمبادرة والحساسية بأثقال الأزمة المعيشية والمجتمعية وهما أهم عناصر في صناعة ملامح الثورة الوطنية التي تسع قيمها ومؤسساتها الجميع، خيارهم هو التوافق والتراضي مع الكتلة الوطنية الكبرى الجديدة التي تتعاظم في الاحتشاد والتشكل يوما بعد يوم.
08:00
هذا القرار التاريخي والعقلاني سيجنب الأحزاب الاوزونية وحلفاءهم النيوليبراليين حالة العزلة الحالية أمام قواعدهم، وأمام المجتمع، وأمام الحاضنة الثورية، وأمام التاريخ، بل في اعتقادي إن التوافق والتراضي مع الكتلة الوطنية الكبرى الجدبدة هو الخيار العقلاني لأحزاب الأقليات لأن ذلك يعني استعادة وهج وزخم ثورة ديسمبر المجيدة، وسيادة نموذج الديمقراطية التوافقية وهو النموذج الامثل لنمو وتطور أحزاب الأقليات اليسارية، والديمقراطية المستدامة هي الوصفة الناجعة لتحول الأحزاب الطائفية التي تعمل بمبدأ الوراثة داخل الأسرة الارستقراطية التي تحتكر الدار والأموال والافكار والطاعة العمياء من قبل الاتباع إلى منظومة أحزاب مؤسسية وحديثة والديمقراطية التوافقية هي الخيار الاستراتيجي لديمومة المشروع الديمقراطي وإنهاء الدورة الشريرة التي مازت ازمة الحكم في السودان منذ الاستقلال.