عادل الباز
1
تضجّ الساحة السياسية بمتغيرات شتى وهي متغيرات تشيء بأننا مقبلون على مستقبل سياسي مختلف نوعاً ما لا يُشبه الأوضاع التي عشنّاها منذ تأسيس دولة 56 وطيلة تاريخنا السياسي. من شأن هذه المتغيرات إذا طوّرناها وأحسنّا إدارتها ترتيب تنافس القوى السياسية المختلفة، ليس من خلال أحزاب صغيرة وضعيفة ومتشرذمة ومنقسمة على نفسها، إنما من خلال كتل سياسية بينها مشتركات ويربطها برنامج محدد.
2
أول هذه المتغيرات نشوء تحالفات متعدّدة أهمها حتى الآن سبعة تحالفات هي الكتلة الديمقراطية / تنسيقية القوى الوطنية/ تخطي / التيار الإسلامي العريض /تحالف التيار الجذري/ تقدم / الحراك. المتتبع لنشوء هذه التحالفات وتطوراتها وتصوراتها لما يجري في الساحة السياسية يلحظ أن هناك قواسم مشتركة كثيرة بينها، إذا استثنينا تحالف التيار الجذري وتقدم. أولها هذه التحالفات متنوعة بشكل كبير وتضم بداخلها أحزابا ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات قومية وحركات مسلحة تضم كيانات شبابية. الثاني أن لهذه التحالفات موقف موحد تجاه الصراع السياسي الجاري في الوطن فكلها تقريباً تدعم القوات المسلحة فهي موحدة الهدف ( دحر التمرد) ولأول مرة تتفق أكثر من 5 كيانات على هدف واحد في تاريخ السودان الحديث. الملاحظة الثالثة أن هذه التحالفات بحكم حداثتها ليس بينها صراعات مثل أحزابنا التاريخية التي ظلت الصراعات المزمنة مستمرة بينها لعقود ولم تزل، هذه التحالفات الجديدة ليس بينها صراعات وعداوات كما ليس بينها اختلافات عميقة حول الأهداف وإن كان ينقصها جميعاً البرنامج الواضح المعالم.
3
هذه التحالفات ضرورتها تكمن في أنها يمكن أن توحد القوى السياسية المتنافسة في الساحة، فبدلاً من التشرذم والانقسامات المستمرة من الأفضل أن ينهض التنافس السياسي على كيانات كبيرة تتفق على الحد الأدنى من السياسات والبرامج وتتوافق على قيادات تقودها بالتراضي. تمثل هذه التحالفات خطوة نحو المستقبل إذ يمكن أن نأمل في المستقبل القريب، وإذا تجاوزت قيادات تلك التحالفات وخاصة التي ليس بينها تناقضات جذرية وتجمعهم أهداف مشتركة، أن تنخرط في جسم واحد أكبر في مقابل تحالفات اليسار الأخرى (الجذري وتقدم) وبذا تكون الساحة السياسية قد اتضحت معالمها من خلال كتل معلومة وبرامج متوافق عليها بدلاً من هذه الأجسام الهلامية التي لا تُرى بالعين المجردة. إذا حصلنا على تحالف واحد أو إثنين معتبرين سنجد أننا جمعنا اليسار واليمين على صعيد برنامج وأهداف مشتركة سنكون قد جمعنا أيضاً تحالفات شبابية مع أحزاب أصحبت كأعجاز نخل خاوية وبذا سندفع في شرايينها دماء جديدة ونجدد لها شبابها وتصنع هي نفسها مستقبلا جديدا مع الأجيال القادمة.. بمعنى أن توطن نفسها في المستقبل.
4
المشكلة الوحيدة التي تواجهنا في هندسة تحالفات للمستقبل هو شُح الأنفس وتكالبها على السلطة، لقد درج قادة الأحزاب والتيارات المختلفة أن يؤسسوا صراعاتهم وفق أهوائهم ومصالحهم المرتبطة بالسلطة دائماً وليس عبر الأهداف والبرامج التي تعمل لمصلحة الوطن. ولذا فإن المهدد الوحيد لتأسيس تحالف أعرض وموحد أو حتى استمرار هذه التحالفات متماسكة لفترة طويلة هو سؤال القيادة والنفوذ بغض النظر عن مصالح الوطن أو التحالف نفسه، فمن لم يتنسم سدة القيادة في تحالف ما يتحول إلى معارض يعمل على انقسام التحالف لتستمر الدائرة الخبيثة. الغريب أن مرض التشظي هذا والانقسامات المستمرة ضربت اليمين واليسار على حد سواء، ومنذ أمد بعيد ونتائجها أصابت الحركة السياسية عموماً في مقتل حتى أضحى داء بلا دواء .طبعاً العلاج معلوم لهذه الانقسامات هو إنشاء تحالفات فضفاضة تحتمل رؤى متنوعة ولكنها تتفق على برنامج الحد الأدنى لكي تستطيع هذه التحالفات خوض التنافس السياسي في الانتخابات بأجسام وازنه تمكنها من الوصول للسلطة.
5
نحتاج لعقلاء موجودون في هذه التحالفات يلتقون لتأسيس تحالف واحد كبير على رؤى وأهداف مشتركة، وهي أصلاً موجودة، ولقيادة موحدة قادرة على تنفيذ البرامج، يمكن أن يوفر مثل هذا التحالف دعماً مؤثراً لمجهودات الجيش في دحر التمرد ومن ناحية أخرى يرسل رسالة للعالم مفادها أن بالسودان مجتمع سياسي عريض وليس فقط شراذم تقدم، ويمكن أيضاً لمثل هذا التحالف أن يهب الفترة الانتقالية القادمة قدراً كبيراً من الاستقرار، وليس بالضرورة أن يعمل حاضنة للجيش، إنما ليهيئ نفسه لاستحقاقات المستقبل الذي يرونه بعيداً ونراه قريباً.