رهان السودان على تماسك الجبهة الداخلية : السبيل الأوحد لهزيمة الأجندة الخارجية!؟

ا
مقدمة:
في خضم أزمة الحرب الطاحنة والمفروضة التي يشهدها السودان منذ أبريل 2023، تتقاطع على أرضه مصالح إقليمية ودولية متشابكة، وتحاول قوى خارجية إعادة تشكيل الجغرافيا والسلطة والثروات وفقًا لحساباتها لا لحساب الوطن والمواطن. ومع تصاعد هذه التدخلات، يتأكد أن المعركة السودانية لم تعد مجرد صراع داخلي، بل أضحت جزءًا من مشهد إقليمي معقد. في هذا السياق، يبرز رهان السودان على تماسك جبهته الداخلية كخيار استراتيجي لا غنى عنه، بل كضرورة وجودية لمواجهة الأجندات الخارجية واستعادة الدولة من حافة الانهيار، وقطع الطريق أمام المؤامرات التي تحاك في وضح النهار، من وراء الدولة وسلطانها.
أولًا: تماسك الجبهة الداخلية صمام الأمان في مواجهة التفتيت
تسعى القوى الخارجية إلى استغلال الانقسامات الداخلية في السودان، (رباعية كانت ام سداسية) وحالة الهشاشة وعدم الاستقرار، سواء كانت سياسية أو إثنية أو جغرافية، كمدخل لتغذية النزاعات وتمرير أجنداتها. ويتجلى ذلك بوضوح في تعدد الرعاة الإقليميين والدوليين لأطراف الحرب والتمرد وأعوانه ورعاته ، وفي محاولات خلق “حكومات بديلة” أو فرض مسارات سياسية بعيدة عن الإرادة الشعبية، او تمرير خيار هجين على شاكلة (الاتفاق الإطاري) يعيد انتاج هذه المجاميع للسلطة.
لكن تجاربنا الداخلية والشعوب من حولنا تثبت أن تماسك الجبهة الداخلية هو الحصن الأول ضد هذه التدخلات. لقد رفضت الجزائر، إبان ثورتها ضد الاستعمار الفرنسي، كل محاولات الاختراق والتفتيت، وتمكنت من بناء وحدة داخلية رغم التعدد العرقي واللغوي. كما صمدت فيتنام عقودًا في وجه الولايات المتحدة بفضل جبهة داخلية متماسكة جمعت الشيوعيين والوطنيين والقوميين ضد عدو مشترك. بل إن رواندا، بعد مجازر الإبادة الجماعية، لم تنهض إلا حين اتفقت مكوناتها على مشروع وطني جامع تجاوز ثنائية “الهوتو والتوتسي”. وها هو الفريق اول البرهان يواجه اعتى مخطط خارجي استهدف البلاد عبر تاريخها، اوشك على هزيمته وطي صفحته.
ثانيًا: الجبهة الداخلية شرطٌ لأي مشروع سياسي وطني!؟
لا يمكن للسودان أن يؤسس لمرحلة انتقالية حقيقية أو بناء دولة مدنية ديمقراطية ما لم يُنتج جبهة داخلية موحدة تُعبّر عن الإرادة الشعبية الحرة، لا عن إرادات الخارج وأجنداتها. فالمبادرات الخارجية مهما تنوعت، ومهما حسُنت نوايا بعضها، لا تستطيع أن تُحلّ محلّ التوافق الوطني الداخلي، بل غالبًا ما تكرّس الانقسام عبر التفاوض مع أطراف ممزقة، أو عبر صفقات أمنية قصيرة الأجل، والتجارب الذاتية من حولنا تدلل على خطل مثل هذه التسويات ومن يسوقونها بعلم او بدون معرفة.
إن إرث السودان السياسي يؤكد أن كل مسعى وطني حقيقي انطلق من الداخل: من مؤتمر الخريجين، إلى ثورتي أكتوبر وأبريل، ثم ثورة ديسمبر -أبريل. وحتى انتصارات المقاومة السلمية ضد الاستبداد لم تكن ممكنة لولا اللحمة الشعبية العابرة للجهات والانتماءات بصف وطني متراص تقودك قيادة البلاد.
ثالثًا: مواجهة الأجندة الخارجية تبدأ بالوعي لا بالبندقية وحدها
لا يكفي أن يمتلك السودان جيشًا أو مقاومة مسلحة مناصرة ومساندة لجيشها، بل المطلوب مشروع وطني جامع يحدد بوصلة النضال: من نقف معه؟ من يقف ضدنا؟ ما هي ملامح السودان الذي نريد؟ هذا الوعي الجمعي هو الذي يحمي اللحمة ويحول دون استغلال الخارج لتناقضاتنا. إذ لا توجد أجندة خارجية دون أدوات داخلية، وغالبًا ما تكون تلك الأدوات من النخب السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية او جماعها في في تشكيل والتي ارتبطت مصالحها بالخارج، وافتقدت مشروعًا وطنيًا مستقلاً كما هو الحال بالنسبة لمليشيا الدعم السريع ومن في صفها.
تجربة أوكرانيا في السنوات الأخيرة، رغم اختلاف السياقات، تقدم درسًا وطنيا في هذا السياق: فقد استطاعت الدولة الأوكرانية أن تُنتج إجماعًا داخليًا على مقاومة الغزو الروسي، رغم الانقسامات السياسية السابقة، وخلقت مقاومة مدنية وعسكرية موحدة صعّبت على موسكو حسم المعركة سياسيًا أو عسكريًا رغم فارق العدة والاعداد والجاهزية .
رابعًا: الجبهة الداخلية تعزز السيادة والقرار المستقل
كلما ازدادت هشاشة الداخل، ازداد تآكل القرار الوطني. وللأسف، تُظهر الأحداث في السودان أن كثيرًا من مفاصل القرار السياسي والعسكري باتت تُصنع خارج البلاد، أو برعاية “غرف عمليات إقليمية” تخدم أجندات لا تمت لمصلحة السودان بصلة. في المقابل، فإن أي جبهة داخلية موحدة – سياسية ومدنية وعسكرية – تعيد الاعتبار لمفهوم السيادة، والامن القومي وتفرض إرادتها على من يرغب في التدخل.
تونس بعد الثورة مثال مهم؛ فرغم الأزمة الاقتصادية والسياسية، استطاع التونسيون لسنوات أن يفرضوا مقاربة داخلية للحل من خلال “الحوار الوطني” الذي رعته قوى المجتمع المدني، وأجبر الجميع على الجلوس حول مائدة الوطن، واجتازت امتحانها بالوعي الداخلي.
خامسًا: السودانيون قادرون على صناعة معجزتهم إذا اختاروا وحدتهم
ما زال في السودان طاقة هائلة من الإرادة الشعبية، ومجتمعات حية تقاوم الموت والجوع والحرب، والحصار والتضييق وحبس المعونات والتنمية ، وناشطون وناشطات وأطياف كثيرة من أبنائه يواصلون العطاء في الداخل والخارج رغم كل الأهوال. هذه الموارد البشرية والمعنوية، إذا ما توحّدت حول مشروع وطني جامع، يمكن أن تُفشل كل خطط التفكيك، وتُعيد للسودان مركزه ودوره، وتوصد الباب امام الرهانات الخارجية والتسويات المفخخة.
إن بناء الجبهة الداخلية لا يعني فقط وحدة القوى السياسية، بل يشمل:
▪️التوافق المجتمعي بين الإثنيات والجهويات والمكونات الثقافية،
▪️العدالة الانتقالية لمعالجة المظالم السابقة،
▪️تطهير الدولة من مراكز الولاء للأجندات الأجنبية والعملاء ،
▪️وإعادة تعريف المشروع الوطني بما يعبّر عن إرادة الناس لا عن رغبات النخب وأهواء من يبتغون الكراسي لاجل المشروع الاجنبي.
سادسًا: المعركة اليوم ليست فقط عسكرية بل وجودية
▪️الدعم الخارجي لقوى الخراب والدمار لا ينفصل عن أجندات جيوسياسية لتقاسم السودان بين أطراف إقليمية ودولية.
▪️ومجابهة هذه المشاريع لا تكون عبر تحالفات خارجية مضادة، بل عبر تمتين الصف الداخلي واستعادة المبادرة الوطنية والقرار الوطني .
خاتمة:
إن رهان السودان على تماسك جبهته الداخلية ليس خيارًا من بين خيارات، بل هو الخيار الوحيد المتاح لحماية سيادته، وإنقاذ مستقبله، والتأسيس لدولة تليق بتضحيات أبنائه. في ظل الانكشاف الإقليمي والتواطؤ الدولي، وحدها الجبهة الوطنية الموحدة يمكن أن تقلب المعادلة، وتعيد للسودان مكانته ودوره واستقراره. هذا الرهان ليس ترفًا فكريًا، ولا شعارًا للاستهلاك الإعلامي، بل هو حجر الزاوية في معركة الكرامة الوجودية لاستعادة الدولة التي كادت ان تخطف. ولن تُهزم الأجندات الخارجية إلا حين تنتصر الإرادة الوطنية السودانية، وتتجاوز قوى الداخل خلافاتها المرحلية، وتقفز على ذاتها ورغباتها لاجل ذات الوطن وامنه وسلمه المجتمعي واستقراره. وتتوحد القوى جميعها لتبني جبهة موحدة قادرة على رفض الإملاءات، وصياغة مستقبل يليق بتضحيات الشعب وأمله في الاستقرار والنهوض.
السودان اليوم على مفترق طرق: إما أن يُؤسّس لوحدته الذاتية ويقاوم بعقله الجماعي وضميره الوطني، أو أن يتلاشى في جغرافيا النفوذ الدولي كدولة فاشلة يتقاسمها الآخرون. والخيار بأيدينا، لا بأيدي غيرنا. وقيادة الدولة والرموز الوطنية والمجتمعية بالبلاد أمامهم تحدي استثنائي للفداء والتضحية والصمود ليبقى الوطن بخيارات اهله لا بارادة الخارج التي تفرض لاجل مشروعات انتهازية واهمة ستظل تلازم البلاد بمقعداتها لعقود وعقود!؟
cihazla su kaçak tespiti Suadiye su kaçağı tespiti: Suadiye’de su kaçağı sorunlarına son veren çözümler. https://neorural.es/read-blog/3680