الرواية الأولى

نروي لتعرف

نحو الغد / عبدالله حميدة

رطن شعراء الحقيبة؟( 2 – 3 )

عبدالله حميدة


نواصل عرض الأمثلة والنماذج التي تدل على الأثر الثقافي الاوروبي في بعض ألفاظ شعر الحقيبة ، ونتناول في هذا المقال ما ورد منها في مجال الطب ومستحدثات الصناعة الاوروبية وعبارات الاستحسان وأساليب التعارف.
فمن المجال الطب الاوربي اقتبس بعض شعراء الحقيبة مسميات لأدواء وأدوية لم تكن معروفة قبل ان يدخل السودان عالم الطب الحديث بديلا للطب (البلدي) مثل كلمة (التراكوما) Trachoma الذي هو مرض يصيب العيون. واصل اللفظ إغريقي قديم، ومثل كلمة :(الكينا) quinine وهي اقراص مرة الطعم لعلاج الملاريا، ومثل كلمة :(السلفا) وهي مضاد حيوي لعلاج الالتهابات.
قال محمد ود الرضي ، داعيا إلى الاستمساك بالحق وتحري الصدق :
من كانت به (تراكوما) فليتبصر.
وقال يصف لوعة الغرام الذي لا ينتمي لأصناف الآلام العضوية المعروفة كالملاريا التي يمكن علاجها باقراص (الكينا):
غرسن فيهو وحّة
ما بتقيهو (الكينا).
اما محمد بشير عتيق فيطلب نصف قرص من (السلفا) لترد له روحه:
قال في قصيدة: (مرضان سيادك) :
لي روحو تلفه
بس نص حبه (سلفا).
وفي مجال الالفاظ المستجدة من مسمّيات الصناعة الميكانيكية الاوروبية الحديثة استخدم بعض شعراء الحقيبة الكلمات الآتية:

  • لوري : Lorry ، وهو وسيلة نقل ميكانيكية بريه جاءت في قول ود الرضي حين وصف عيبا من عيوب الناس :
    زي (اللوري ) ماش
    لا رخصة لا تأمين.
  • فيات: Fiat، وهو علامة تجارية لشاحنة ايطالية مشهورة.
    قال ابراهيم العبادي (في قصيدة سايق الفيات):
    شوف سايق (الفيات) الليلة كيفن هاش
    والشدر الكبار بقى شوفنا ليه طشاش.
  • بابور: وهو من وسائل النقل النهري الميكانيكية وقد استمد اسمه من البخار (vapour)، وانسحب لفظه على اسم مصلحة حكومية كانت تدير البواخر النهرية هي (مصلحة الوابورات) والتي اعيدت تسميتها لحقا بـ (هيئة النقل النهري) فاستخدم ود الرضي كلمة (بابور) في موضعين من اعماله الشعرية:
    قال في مقطع من الدوبيت:
    بقا (بابوري) في
    لج الغرام رساي
    وقال في قصيدة (من الاسكلا وحلاّ):
    صفر ودع (البابور)
    حاجزين قمره اتنين دور
    اما صناعة العطور الاوروبية فقد دخلت على لغة الحقيبة ببيت عبيد عبدالرحمن في قصيدة (صفوة جمالك) حين قال:
    ويفوح نشيدي الفيك
    زي نفحة ( الريفدور)
    والريفدور (reve d,or)عطر فرنسي زكي الرائحة.
    وفي مجال عبارات الاستحسان واساليب التعارف، اقتبس بعض شعراء الحقيبة الفاظا من اللغات الاوروبية لا تخلو من طرافةّ:
    قال ود الرضي في قصيدة (سؤال وجواب):
    المسطول أديب وال
    سائق لطيف (فري قود)
    وهو يعني ان السائق شديد الطيبة: ( very good)
    وقال في تمجيد الوطن:
    على الاقطار جميع
    اخد (البراوه) قطرنا
    مستعيرا لعبارة (bravo) ذات الاصل اللاتيني الايطالي، الفرنسي، الانجليزي، الاسباني، استحسانا واستجمالاً.
    ثم قال ايضا في قصيدة (اراكي واكون):
    الماظ والدرر والجواهر دون
    والتبر يقول للون : (بردون)
    (بردون) هي كلمة (pardon) التي يعبّر به الانجليز والفرنسيين – على وجه الخصوص- عن الاعتذار وطلب الغفران، اذ يقول الذهب للون المحبوب إني اعتذر، فأنا دون مقامك وقدرك !
    واستخدم العبادي ( وهو صاحب ملح وطرائف) كلمة (bluff) التي تعني الخدعة والاستغفال ، في لوحته الرائعة (سايق الفيات) فقال:
    عطشان قتا ليهن
    وصحَّت (البلفه)
    ويواصل روحه المرحة في قصيدة :
    (ببكي وبنوح وبصيًح) فيقول انه يقدّم للمحبوب بطاقته الشخصية (card) للتعارف والتقرب اليه في كل حين وآن :
    في رويحتي وباكرتي
    دايما مقدم (كرتي)
    ويتحسّر محمد بشير عتيق من جفا المحبوب وصده في قصيدة (الرشيم الاخدر) فيصف حاله بحال من وقعت عليه ال (censorship) أي (السنسرة) فيقول:
    من سواك يتجسّر
    في فؤادي وحسنك ليًا عامل (سنسر).
    ….
    في مقالنا الثالث والأخير، سنتناول ما جاء من الفاظ افرنجية في قصيدة (الهلال) التي الفها شاعر الحقيبة عمر البنا في فريق كرة القدم الامدرماني الشهير ، اوائل ثلاثينيات القرن الماضي ولحنها كرومة وغناها بصوته الشجي، ولكنها لم تجد حظها من الذيوع .
    ( نواصل ).

اترك رد

error: Content is protected !!